نسمعها غير مكترثين لتمر مرور الكرام على مسامعنا ، دون أن تقض مضجع إنسانيتنا الغارقة في صخب الألم لدرجة الاعتياد و الألفة، أو يرف جفن لذاك الأناني القابع في أعماقنا رافعاً شعار « أنا وبعدي الطوفان» .
مشاهد تستدعي الوقوف عندها ، لكن ليس لتسجيل اللايكات و الاعجابات و نشرها على أوسع نطاق ، لأخذ العبرة و إثارة الدهشة وحصد التعليقات ، و إنما لتسليط الضوء على قاسم مشترك يجمع بينها .. إنه التأقلم الذي أضحى سيد الموقف بلا منازع ، و صاحب البطًولة المطلقة في مسلسل مأساتنا الوطنية و الاجتماعية والاقتصادية و ربما تأزمنا أخلاقياً و نفسياً .
لدى الحديث عن نجاحنا المنقطع النظير في ممارسة التأقلم المر ، قد نسارع إلى التساؤل .. هل ما نمارسه تأقلم .. أم هو تحول غير مقصود أو مسبوق من بشر بحاجة لمقومات حياة و استمرار ، إلى نباتات بعلية تنتظر سحابة ماطرة حتى لو كانت عابرة لتنمو على تربة قاحلة ؟
و بين مواطن مروي رذاذاً أو تنقيطاً بمقومات الاستمرار الحياتي ، من غذاء متوازن لا يعبث بحريراته و فيتاميناته و معادنه تاجر انتهازي على عين جمعية حمايتنا كمستهلكين ، إلى قارورة دواء أضحت حلم جسد عليل بعد تضاعف الأسعار ، و أقدامنا التي بات الجري و المشي رياضة منهكة لها تحسباً من ازدحام سيرفيس ، و تهرباً من تعرفة عداد تكسي يتنكر لجيوبنا ، مروراً بتآمر لئيم بين برد شتاء و حر صيف على أجسادنا في حضرة مسلسل التقنين الكهربائي ، إلى استقرار نفسي و مكاني يستكثره علينا أصحاب الشقق الآمنة و الكاوية .
و في ظل جفاف أنهار المشاعر و ينابيع الإنسانية و نضوب جداول المحبة و الإيثار والحلول المنطقية .. ربما علينا قبول لقب مواطن بعل ، و انتظار سحابة ماطرة تروي نفوسنا العطشى بالتحمل و الصبر المديد و مقومات الصمود البشري !! .