واستشرافاً لآفاق التحولات العالمية الكبرى وما ستعززه مستقبلاً على الصعيد الدولي، وأهمها ظهور التكتلات وقوى اقتصادية وسياسية تملك من المقومات الاقتصادية والسياسية الشيء الكثير للتأثير على الساحة العالمية وما يتبعها من تغير في موازين القوى، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وحتى إيديولوجياً.
فالتنين الصيني بدأ يتمدد شرقاً و غرباً ونقل ساحة المنافسة إلى داخل القوى العظمى والهند قوة قادمة لامحالة، وكذلك اليابان بمتغيرها السياسي الجديد والعودة إلى الساحة الدولية، ناهيك عن قوى اقليمية والنمور الآسيوية وكذلك دول أميركا اللاتينية وما تعنيه في علاقاتها مع بعضها من جهة ومع دول العالم الأخرى من جهة أخرى، أضف إلى ذلك عودة الدب الروسي للعب دور يليق بمكانته وإمكاناته.
إذاً الاتحاد الأوروبي انتخب رئيساً ووزير خارجية، وهذا يعني سياسة أوروبية جديدة تجاه الدول الأخرى ومخاطبة العالم بناء على الموقع والدور والإمكانات التي تتمتع بها أوروبا.
إلا أن الملفات التي تنتظر الدور الأوروبي المرتقب كثيرة وشائكة وتضع تحوله الجديد على المحك وأولها الصراع العربي الاسرائيلي الذي يعني الكثير بالنسبة لأوروبا بحكم الجغرافيا والتاريخ والثروات التي تعد الشريان الرئيسي للاقتصاد العالمي وليس الأوروبي وحسب.
فالموقف الأوروبي المتخذ والمتبع حتى الآن لايجدي نفعاً في لعب دور فاعل في قضية الصراع في المنطقة، حيث الجري وراء الموقف الأميركي الفاشل حتى الآن في تلمس الأسباب الحقيقية لتعثر الحل، رغم معرفته ومعرفة الأوروبيين ودول العالم أين تكمن المشكلة، ومن يعرقل المساعي الدولية لإيجاد حل للصراع والذي يعد أطول صراع في العصر الحديث، فحتى الانتقاد للتعنت الاسرائيلي الذي يعد أسّ المشكلة والمصائب يأتي خجولاً، وعلى استحياء لأي قضية أو مشكلة تختلقها اسرائيل وبشكل يومي، لتضيفها إلى سلة المصائب والمآسي الملأى بالغطرسة الاسرائيلية والمغلفة بالعنصرية والوحشية والتمرد على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الناظم للعلاقات بين دول العالم.
إضافة إلى قضية على غاية من الأهمية تنتظر الدور الأوروبي المرتقب، وهي الحروب العبثية التي شنتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والتي جرّت الكثير من الدول الأوروبية للمشاركة بها، رغم قناعة الرأي العام الأوروبي في معظم دوله بخطأ شن هذه الحروب والأسباب الواهية، بل الكاذبة التي تذرعت بها لشنها وامتعاض الرأي العام في أوروبا من ممالاة النخبة السياسية في بعض دول الاتحاد للسياسة الأميركية والسير وراء غطرستها وعنجهيتها، والدليل انسحاب القوات الإسبانية من العراق مباشرة بعد فوز ثاباتيرو والاشتراكيين في الانتخابات التشريعية الإسبانية ومعاقبة الحكومة الإسبانية السابقة شعبياً بسبب انجرارها للاشتراك في غزو العراق.
وكذلك الأمر حدث في إيطاليا بعد فوز رومانو برودي حيث سحبت ايطاليا قواتها من هناك، وحتى البريطانيون الأكثر انجراراً وراء السياسة الأميركية أجبر رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير على تقديم استقالته من رئاسة الحكومة البريطانية عقاباً له ولسياساته في العراق وأفغانستان، والآن هناك تحقيقات في بريطانيا بشأن اتخاذ قرار شن الحرب على العراق، ولاحقته أخطاؤه هذه إلى منعه من تحقيق رغبته في ترؤس الاتحاد الأوروبي وكانت من الأسباب الأساسية في استبعاده من ذلك.
وهناك قضية الحلف الأطلسي والثقل الأوروبي فيه ودوره في المستقبل وخاصة أن الولايات المتحدة تهيمن عليه وعلى سياساته وخططه حتى أنه أصبح أداة لتنفيذ السياسات الأميركية وتعثره في أفغانستان قد يطيح بمصداقيته ودوره وحتى تماسكه.
ومن التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي التفاوت في المستوى بين دوله، والتناقض والتنافس أيضاً بين القوى الكبرى فيه، حيث تتباين السياسات بين هذه القوى في النظرة إلى قضايا عالمية عديدة، فهل باستطاعة الأوروبيين تجاوز ذلك والخروج بسياسة واحدة تسهل على وزير خارجيتها المهمة وتساعده على وضع لبنات التأسيس بشكل تستطيع أوروبا البناء عليه مستقبلاً بشكل صحيح يوازي الحجم الأوروبي في العالم لتستطيع لعب دورها الذي يخولها به موقعها وثقلها وتستطيع أن تكون قوة حقيقية تتميز بقراراتها بعيداً عن الموقف الأميركي وخاصة في القضايا الأقرب إليها كقضية الصراع في المنطقة؟ وهل حان الوقت بالنسبة لأوروبا لأن تقول كلمتها حتى لو أزعج وأغضب ذلك الولايات المتحدة؟
الشهور القادمة كفيلة بالإجابة على كل التساؤلات ومن اتهم منذ سنوات بأنه عجوز هل هو بقادر على استعادة شبابه وحيويته أم أن العطار يبقى عاجزاً رغم التقدم الهائل الذي أحرز؟ الدواء الناجع في جعبة القادة الأوروبيين.