وفي غير مكان- ومن ذلك باريس وأنقرة وبلسان الرئيس بشار الأسد، أنها تريد السلام ولكنها لاتجد شريكا (إسرائيليا) صادقا وجادا في البحث عن السلام.
إذا كان التعبير المكتمل عن (تعريف الحقيقة) هو ذاك الذي يؤكد بساطتها، فإن البحث عن السلام هنا- في سورية وفلسطين وجنوب لبنان، بسيط كالحقيقة: ثمة قرارات أممية ضد الاحتلال، فالصهاينة احتلوا الجولان والضفة الغربية وأجزاء من جنوب لبنان بالقوة المسلحة، والمجتمع الدولي رفض الاحتلال وأصدر ما يؤكد هذا الرفض مطالبا المحتلين بالانسحاب من الأراضي التي احتلوها بالقوة- كما رفضت الأمم المتحدة ما أجراه ويجريه المحتلون من تغييرات على الواقع الديمغرافي (في فلسطين المحتلة والجولان) على السواء، عليه إن كان لابد من السلام فلابد- بكل بساطة - من الانسحاب من الأراضي التي تم احتلالها بالقوة من الصهاينة.
المبادرة العربية للسلام قالت هذا أيضا، والمنظمات والفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية قالت هذا كذلك، وسورية بدورها أكدت أن الحاجة للسلام- كضرورة للحياة والاستقرار والنهوض والتطور، تتطلب أن يفهم المحتلون ما عليهم القيام به وليس أن يحاول المحتلون فرض (رؤيتهم أو إرادتهم) على الطرف العربي.
بمعنى ان السلام- كي يدوم لابد أن يكون عادلا، ولا يرفضه في الواقع طرف اضطر إلى التوقيع عليه في ظروف قاهرة فالظروف متغيرة وحين تتغير المعطيات والظروف فلن يعدم الطرف المظلوم الوسيلة لمحاولة انتزاع حقوقه واسترداد العدالة التي فقدها في ظروف قاهرة.
السلام مع المحتلين لا يتم بمجرد أن يتحدث عنه أعداؤه الموصوفون، باراك ونتنياهو وموفاز واشكينازي، بل يتم حين يتخلى هؤلاء عن اشتراطاتهم غير المقبولة والمنافية للعدالة ولحقوق الإنسان وللقوانين والشرائع الدولية ومرجعيات الأمم المتحدة ومجمل قراراتها، وهي جميعها تقول: على المحتلين الانسحاب.
وعلينا ان ننظر إلى تجربة التفاوض بين السلطة الفلسطينية والمحتلين الصهاينة لنقرأ عن حقيقة (الطرف المفقود)، فاليد الفلسطينية التي ارتضت ان تذهب إلى آخر مدى في سبيل (حل الدولتين) لم تجد الا اليد المدججة بالأسلحة وبكل اسباب الموت والتدمير لتصل إلى الفلسطينيين والى حقوقهم بهدف التخلص منهم- جغرافيا وبيولوجيا- أيضا. فلقد استغل المحتلون الظروف وخلال مدة المفاوضات الطويلة لكي ينهبوا الأرض التي يفترض أن ينسحبوا منها لتقوم عليها الدولة الفلسطينية، وليهودوا القدس لكي يقول قائلهم (القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية لإسرائيل) وبدليل أنهم يشترطون اليوم (حتى للعودة إلى طاولة التفاوض) الحصول من الفلسطينيين والعرب والمسلمين على اعتراف (بيهودية إسرائيل) ما يعني بالتالي الموافقة على طرد نحو مليون ونصف المليون فلسطيني ممن بقوا مزروعين في ارض الوطن منذ احتلاله في العام 1948.. ولكنهم في الوقت عينه يمتنعون عن وقف الاستيطان في الضفة والقدس ويعتبرونه شرطا وهم يرفضون الشروط مع ان هذا ليس شرطا بل هو نص وارد في خريطة الطريق ويحظى بمصادقة الرباعية الدولية.
طريق السلام بسيط كالحقيقة أمام من يرغب لسلوكه صادقا، وطريق السلام كله التواءات وانحرافات ومتاهات حين يرفض الدعاة التسليم بثمن السلام: أي العدالة التي تنصف المظلوم- وفي حالتنا العرب جميعا ( وهنا هم سورية وفلسطين ولبنان).
nawafabulhaija@yahoo. com