وهي تشير إلى ضعف مهارات الشخص أو الطفل في التحكم بذاته، وإدارة علاقاته، وفي بعض الأحيان يصبح استخدام الشتائم عادة، فلا يمكن لمستخدمها أن يتحدث إلى أحد، حتى في مزاح أو حوار ودي، دون استخدامها، وهي في هذه الحالة تشير إلى انحراف سلوكي، وليست مجرد سلوك عابر.
يستخدم الأطفال وحتى البالغين الشتائم، لأنها تُشعرهم بالقوة والسيطرة، وبأنهم قادرون على التعبير عن غضبهم لفظيا بطريقة قد تخيف الآخرين، وتجعلهم يسلّمون لهم بما يريدون، ويعتبرون هذا خوفا أو تجنبا لمشكلات أكبر.
من المهم أن يعرف الآباء السياق الذي يستخدم فيه الأطفال الشتائم، والتمييز بين ما يمكن السماح به من ألفاظ التعبير عن الغضب، وما هو محظور، حتى يستطيعوا التعامل معها. ويمكن التفريق بين الألفاظ التي تستخدم بطريقة مهذبة وفيها تأكيد ذات مرتفع، في التعبير عن الغضب، وتلك التي تنطوي على شتيمة أو إهانة للطرف الآخر، ومحاولة تخويفه، أو استفزازه. فهناك فرق بين أن يقول الشخص أو الطفل بهدوء وثقة لمن أخذ شيئا من ممتلكاته: إذا سمحت، هذا الشيء لي، وأنا لم أسمح لك بأخذه، وبين أن يقول له أنت سارق. التعبير الأول إذن ما ارتبط بالثقة بالنفس والقوة، وعدم الشعور بالخوف أو التردد، سيكون حافزا للشخص الآخر على إعادة ما أخذ، أو فتح نقاش هادئ حول الأمر، أما إذا قال الطفل هذه الجملة وهو خائف ومتردد، فسيستغل الطرف الآخر ضعفه للتهكم على طريقته وتهذيبه، وربما يكسر هذا الشيء الذي يعود للطفل، لاستفزازه، قائلاً له أرني ماذا ستفعل.
أما الاستجابة الأخرى، وهي استخدام لفظ سارق، أو أي شتيمة أخرى، فستجعل الشخص الآخر دفاعيا، وربما متحديا وعدوانيا وتمتد لصراع أكبر.
كيف يتعلم الأطفال الشتائم؟
هناك أربع طرق رئيسية يتعلم من خلالها الأطفال استخدام الشتائم:
أولاً: نمذجة أو تقليد الكبار يعد تقليد سلوك الكبار أهم المسببات التي تجعل الطفل يتعلم الشتائم، ويحدث هذا أحيانا بشكل مقصود وبشكل غير مقصود أحيانا أخرى؛ يستخدم الكبار الشتائم أحيانا لضبط سلوك الأطفال، أو عقابهم، أو حتى إهانتهم لإشعارهم بفداحة فعل معين قاموا به، مثل: أنت غبي، اخرس، لا أريد أن أرى وجهك الغبي، أنت غير مفيد مثل أبيك، أنت سمينة مثل أمّك. ويأتي هذا نتيجة افتقارهم للمعرفة بخصائص الأطفال، واحتياجاتهم، ونقص المهارات اللازمة للتعامل معهم وضبط سلوكهم بدون فقدان السيطرة.
ويستخدم الكبار الشتائم أمام الأطفال في مواقف الحياة اليومية، كتواصلهم مع الآخرين في الطريق، أثناء قيادة السيارة إن أزعجهم سائق آخر، مثل أنت حمار ولا تفقه شيئا في القيادة، وفي السوق مثل أنت غشاش أو سارق، وأثناء إدارة نزاعاتهم مع الآخرين من الأصدقاء والزملاء، مثل وصفهم لشخص بأنه ابن حرام أو ألفاظ أكثر سوءا، أو أثناء متابعة الأخبار أو البرامج التلفزيونية مثل ما أغبى هذا الممثل، أو أثناء المزاح، أو تدليل الأطفال الصغار.
ويتعلم الأطفال من خلال هذا التفاعل أن استخدام الشتائم هو الطريقة الصحيحة لإدارة الخلاف، أو إظهار القوة، أو حتى خفّة الظل، دون أن يعوا في بادئ الأمر أنها ألفاظ غير لائقة أو شتائم.
ثانياً: عدم القدرة على إدارة المشاعر تؤدي مشكلات انخفاض تقدير الذات وضعف الثقة بالنفس، وعدم الإشباع العاطفي لدى الأطفال، والنشوء في بيوت محتقنة بالصراخ والعصبية والأوامر والانتقاد، وعدم التدريب الجيد من قبل الأهل للأطفال على التعبير عن أنفسهم، وضبط ذواتهم، وتوضيح حدودهم، وحدود الآخرين من حولهم، وعدم التدريب الجيد على حل المشكلات، وإدارة الخلافات، إلى استخدام الأطفال ألفاظا جارحة ومُهينة في تعاملهم مع الآخرين، للتعبير عن أنفسهم، أو غضبهم، أو استرداد حقوقهم.
ثالثاً: الشعور بالانتماء للمجموعة في مراحل معينة من الطفولة، يصبح الشعور بالانتماء للمجموعة حاجة ملحة لدى الأطفال، ويبدؤون تشكيل المجموعات والانضمام إليها، سواء كان ذلك بوعي أو دون وعي، فيطلقون على أنفسهم ومجموعاتهم أسماء غريبة، ويقومون بوصف المجموعات والأشخاص الآخرين بألفاظ تتضمن إهانة الآخرين، وتمنحهم شعورا بالتفوق، ونظرا لحاجة الطفل للمجموعة والأصدقاء، والشعور بالحماية والانتماء، ينساق الطفل لمثل هذه الألفاظ، ويستخدمها.
رابعاً: السلوك العدواني يتصف بعض الأطفال نتيجة الاضطرابات النفسية، وضعف الاهتمام الوالدي، وأسباب أخرى كثيرة، بالعدوانية، ويتخذون من السلوك العدواني وسيلة للتعبير عن أنفسهم، والحصول على ما يريدون، والشعور بالتفوق والقوة، والقدرة على إغاظة الآخرين، وتعد الشتائم واستخدام الألفاظ الجارحة أحد أهم أشكال السلوك العدواني لدى الأطفال.
كيف نتعامل مع الأطفال الذين يستخدمون الشتائم؟
- أهم وأول ما يجب عليك فعله هو تقديم نموذج إيجابي للطفل، وعدم استخدام الشتائم والألفاظ غير المقبولة سواء في الحديث عن الآخرين أمام الطفل، أو خلال محاولة تعديل سلوك الطفل أو ضبطه، وذلك بممارسة قدرٍ أكبر من ضبط النفس حتى تكون مثالا جيدا لطفلك.
- حاول أن تعلم نفسك وطفلك أساليب ضبط الذات، والهدوء، والتنفس الصحيح، وعلم طفلك أن ينتظر قليلا قبل الرد على من يسيء إليه، والتنفس بعمق أو العدّ من 1-10 قبل الردّ، واختيار الرد المهذب المناسب.
- علّم طفلك ضرورة مناداة الأشخاص بأسمائهم، وليس ألقابهم أو صفاتهم، فبدلا من قول فلان الكسول للتعريف بطفل آخر، يجب أن يكتفي باسمه، لأن هذا هو اسمه فقط.
- اعمل على تعزيز ثقة طفلك بنفسه وقدرته على حل مشكلاته، وذلك بالتدريب والاهتمام، والحوار حول مشاعره، وتعليمه التعبير عنها في مختلف المواقف، دون أن تقوم بتعنيفه أو توبيخه، فطريقتك ستصبح طريقته فيما بعد.