تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خمسون عاماً على الصندوق العجيب

أبجــــد هـــوز
الأربعاء 4-8-2010م
محمد أبو معتوق

في الحكايات القديمة... كان الابن الأصغر وهو غالباً الأكثر حباً وافتتاناً من أخويه الأكبر والأوسط ... كان ينجح دون إخوته بإحضار البلورة السحرية التي تمكن من يحصل عليها أن يجمع الأرض كلها تحت سطح هذه البلورة السحرية الشفاف...

ليعرف أحداثها ويرى بأم عينه صورة من يحب, إن كان أباً مريضاً برتبة ملك أو أمير أو كانت محبوبة باهرة وقعت تحت رحمة ساحرة أو بين براثن غول.‏

ثم تحول الزمان...‏

والبلورة السحرية صارت صندوقاً أطلقنا عليه فيما بعد الاسم الذي أطلقه عليه صانعوه أومخترعوه... التلفزيون... في بداياته كان التلفزيون باهتاً وعلى ضوء قليل, وكان بالأبيض والأسود كما كانت عليه الحقائق في تلك الأيام, ولم يكن يضج بألف وجه ولون كما هي عليه السياسات الكبرى في هذا الزمان.‏

في طفولتنا الأولى اقتحم التلفزيون أيامنا وعالمنا. ومواقع الصدارة في بيوتنا وأرواحنا, ومنذ الساعة وحتى أزمنة متعاقبة سيتابع اقتحامه وسطوته وسنتابع الانبهار به والدهشة منه.‏

التلفزيون العربي السوري عندما أعطيت شارة البدء بتشغيله كانت سوريا جزءاً لا يتجزأ من دولة الوحدة. حيث أكد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ضرورة أن بيدأ العمل في دمشق والقاهرة في ساعة واحدة ويوم واحد. ـ ومنذ ساعاته الأولى لعب التلفزيون دوراً في ترتيب الحياة في الحارات الشعبية والقرى والأرياف. ولم تعد الدارات الكبيرة ولابيوت الزعماء والمخاتير ووجوه الأحياء هي الأكثر استقطاباً للزوار, وإنما البيوت التي يمتلك أصحابها جهاز تلفاز جديد وهكذا تحولت البيوت الصغيرة والضئيلة إلى مراكز حج وزيارة دائمة, وصمت الناس عن الحوار والاختلاف, وتعلقت أبصارهم وانتظمت أ نفاسهم على إيقاعات وتقلبات الصور في الجهاز العجيب, حتى الشهقات... والضحكات والدمعات, كان التلفزيون يقودها وينظم حركتها وصدور أصحابها كما ينظم المايسترو حركة جيش العازفين.‏

كان بعض ملاك جهاز التلفاز يضيقون بحشود الزوار, فيغلقون في وجوههم الباب... عند ذلك تكون ردة الفعل صاخبة, ويقاطع أهل الحارة أو القرية صاحب التلفاز وينقطعون عن السلام عليه أو زيارته. في حارتنا بنت الوحدة مركزاً ثقافياً وسط مشروع المساكن الشعبية قرب حي المغاير في حلب.. ورغبة من مدير المركز العتيد الأستاذ أسامة عاشور رحمه الله في جمع الأواصر, أخرج جهاز التلفاز الخاص بمركزه إلى الساحة المجاورة للمركز الثقافي, فاتجهت حشود أهل الحارة إليه, وأحضر الناس طعامهم, وعدة الطبخ لأيامهم القادمة وصاروا يتفرجون ويسهرون وهم يتابعون حفر الباذنجان ولف ورق العنب حتى الهزيع الأخير.‏

تلك كانت أيام التلفاز الأولى. كان رمزاً من رموز الوحدة, ثم بعد قيام الانفصال تابع دوره ليكون رمزاً من رموز الوحدة, وتابعنا الارتهان له والتعلق فيه, بغثه وسمينه, بفرحه وترحه.. ومثل كل أشكال الحب التي من طرف واحد, كنا متفرجين أول الأمر ثم تحولنا إلى رهائن وعشاق دائمين.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية