تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«الهــدم».. خطـــوة أولــــــــى لتجديــــــــد «الـــــذات»..!

ثقافة
الاثنين 5-8-2019
لميس علي

«أصبح كل شيء أشبه باستعارة..»..

ولهذا لا ينبغي التعامل مع الأشياء وفق مظهرها الخارجي..إنما بحسب دلالاتها.. حيث يمكن العوم في فضاء من التشابيه‏

والاستعارات ومواصلة السير في قافلة معنى المعنى دون أدنى محاولة للخوض في عمق الأشياء وأس وجودها.‏

ما السبيل إلى رؤية الأمور بشكلها الحقيقي دون زخرفات الظاهر..؟!‏

في إحدى الرسائل التي كتبها فرانز كافكا إلى حبيبته ميلينا، ذكر: «الحب معناه، أن تكوني بالنسبة إليّ، سكين أقلّب بها ذاتي»..‏

وبالضبط هذا ما فعله بطل فيلم (هدم، Demolition) المدعو «ديفيس»، محوّلاً فقد زوجته إلى سكين قلّب بها ذاته.. دون أن يدري أنه يعيد بناءها.. متخلّصاً من عديد «استعارات» غلّفت حياته.. محاولاً الوصول إلى العمق..‏

هل يمكن للفقد، لاسيما فقد الأحبة، أن يكون وسيلة لإعادة بناء الذات..؟‏

ما هي مواقف الحياة التي تتطلب منا إعادة النظر بذواتنا.. ومن ثم محاولة إعادة بنائها من جديد..؟؟‏

هل نفكر بالأمر فعلياً.. أم إن المصائب فقط هي التي تمنحنا فرصة الخوض في هكذا تحوّلات..؟‏

أحد الجوانب/التساؤلات التي يخوض فيها العمل الذي يأتي من إخراج جان مارك فاليه، يبدو في كيفية سوق موضوعة «الاستغراق في الحزن» لا شعورياً.. أو ربما إنكارياً..‏

فهل الاستغراق في شيء ما إلى أقصى ما يمكن.. يجعلنا نتحرر منه أم يزيد من خضوعنا له..؟!‏

هل نتحرر أم نتكبل أكثر..؟‏

نوع مختلف من الرثاء.. رثاء الآخر.. وربما رثاء النفس/الذات لفقدها الآخر الحبيب، نشاهده في الفيلم الذي يأتي عنوانه مباشراً دالّاً على ثيمته الأساسية (هدم، Demolition).. في خوض «ديفيس، جاك جيلينهال» لحالة غير مستقرة تتبدّى لنا عبر قيامه بفعل كل ما يخطر بباله.. فلا قيود أو شروط.. يطلق العنان لنفسه في الفعل والقول والتعبير.. لدرجة مخاطبته الموظفة «كارين، نعومي واتس» في إحدى الشركات التي يراسلها بغرض تقديم شكوى بخصوص إحدى آلاتها، وكأنه يعرفها منذ زمن فيبوح لها عن كل ما يرغب به.. وبينما يعبر في أحد مونولوجاته الكثيرة «كنت أدقق بالأفكار التي تملأ رأسي».. ينتقل من مرحلة التدقيق إلى الفعل مطبّقاً إحدى قناعاته «إن أردت إصلاح شيء عليك تفكيك كل شيء ثم تركيب كل شيء»..‏

هنا ندرك أنه لربما كان يعي تماماً ما يقوم به.. وبالتالي نفّذ قاعدته بهدم ما حوله مادياً.. «تفكيك الأشياء لمعرفة ما تبدو عليه من الداخل».. عاينها عن قرب.. وأبصرها في كنهها..‏

هكذا فكّك ما كانت عليه حياته.. فكك زواجه.. وكل تفاصيل عيشته السابقة.. وفيما استمتع بممارسة لعبته «التفكيك- الهدم».. كان يتخلّص من فجوة «الفقد» ويعيد ردمها في روحه.‏

تم التعبير عن فكرة «الهدم، الدمار» بصرياً بمشاهد كثيرة لاسيما حين كان ديفيس يقوم بكسر أثاث بيته.. وهدم بعض جدرانه.. ربما جاءت صيغ المبالغة البصرية هذه كمعادل مادي محسوس لشيء يحصل في دواخل ديفيس غير محسوس بصرياً.. ولنا أن نتصوّر حجم تلك الانهدامات التي تعانيها الروح وما ينجم عنها من تصدّعات توازي ما شهدناه بصرياً..‏

كل ما نفعله من جنون هل يخلّصنا من متاهاتٍ تحاصر أرواحنا..؟‏

كان الجواب واضحاً في حالة ديفيس.. الذي تمكّن نهايةً من الخروج من متاهة «كل شيء فيها أشبه باستعارة» صانعاً حقيقته عبر أسلوبية «الهدم- البناء».‏

lamisali25@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية