أميركا تحاكم مفكريها وتبتز فنانيها وتسـجن أدباءهـا.. وتقهر مثقفيها
فضاءات ثقافية الثلاثاء 2-10-2012 حين تنتهي من قراءة كتاب «محاكمات فنية وأدبية وفكرية محاضر تحقيق أمام محاكم أميركية» المكون من جزءين، والبالغة صفحاته ألفي صفحة، والصادر عن المركز القومي للترجمة مؤخراً، ترتسم أمامك أكثر من علامة تعجب وإعجاب،
فثمة جهد ذي قيمة مضافة بذله د. رمسيس عوض، مترجم الكتاب، يتبدى في صبره ودقته واحتماله على نقل هذا العبء الثقيل على النفس التي تتصدى- في كل زمان ومكان- لإزهاق روح حرية التعبير، ومقاومة فكرة القمع الفكري في حد ذاتها، وهو أستاذ الأدب الإنكليزي في كلية الألسن جامعة عين شمس، المشهود له عبر أكثر من ستين كتاباً بين التأليف والترجمة والتعريب، بالمساهمة الجادة في تشييد جسور عديدة بين الثقافة العربية والثقافات الأجنبية، بانتخاب نماذج دالة من الفكر الغربي إلي لغة الضاد، منها: «شكسبير في مصر» و«برتراند راسل الإنسان والمفكر السياسي» و«اليهود والأدب الأميركي المعاصر» و«معالم التفتيش» و«توفيق الحكيم الذي لانعرفه» و«أدباء روس منشقون» الذي توقع فيه انهيار الاتحاد السوفييتي قبل حدوثه بفترة، وموسوعته الببلوغرافية للمسرح المصري 1900- 1930 واتجاهات سياسية في المسرح المصري قبل ثورة 1919، إلى جانب الكثير من الترجمات لأشهر مفكري وأدباء الغرب، وثمانية كتب عن معسكرات الاعتقال النازية، وخمسة كتب عن محاكم التفتيش، وغير ذلك من المؤلفات.
يضم هذا السفر الضخم وثائق مختارة لمحاضر تحقيق أمام لجان تحقيق أميركية، تحاكم وتدين وتقهر وتنكل بمئات من مشاهير كتابها ومفكريها ومثقفيها وفنانيها، من أبرزهم الكاتب المسرحي أرثر ميلر، وراسل، وبريخت، وبروإيليا كازان، وروبرت تايلور، وجاري كوبر، والموسيقار هانز ستلر، وغيرهم، فتشت في ضمائرهم بكل توحش، وألقت بهم في غيابات السجون والمعتقلات لمجرد الشبهات بتهم التعاطف مع الفكر الماركسي واعتناق الشيوعية، في فترة يصفها الدكتور بأنها «فترة مشينة ووصمة عار في جبين الأميركان الذين يتشدقون بالحرية والديمقراطية وهم أبعد مايكونون عنها، على حد تعبير المترجم «فبعد هزيمة المحور (إيطاليا وألمانيا واليابان) أمام الحلفاء (إنكلترا وفرنسا وروسيا)، تعاطفت الشعوب الأميركية وبريطانيا مع الشعب الروسي عقب مذبحة ستالينغراد التي أوقفت زحف هتلر ومنعته من احتلال روسيا وكان الثمن حوالي 20 مليون قتيل من روسيا فقط، ما أكسب تعاطف الغرب مع الشعب الروسي، ولكن فور انتهاء الحرب العالمية الثانية تبدلت المشاعر المتعاطفة في أمريكا وإنكلترا بسبب الهستيريا التي أثارها «مكارثي» ضد الشيوعية، وتم اتهام العديد من رموز المجتمع الأميركي بالشيوعية سواء بالحق أو بالباطل، وبعضهم سجن وأجريت تحقيقات معهم من جانب الكونغرس الأميركي شملت كبار المثقفين والأدباء والمسرحيين والممثلين في أميركا».
واسألوا الواقع
تتواصل في هذا الكتاب الوثائقي ترجمات لعدد كبير من التحقيقات التي أجريت في الفترة من عام 1983 حتى عام 1951 مع عدد غفير من أبرز رجالات الفكر والأدب والسينما والمسرح الأميركي بسبب الاشتباه في انتمائهم للحزب الشيوعي، ويؤكد المترجم أن هذا الكتاب يمثل صفحة مشينة سوداء في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، يكفي أن نعرف أن الرئيسين الأميركيين السابقين «ريتشارد نيكسون» و«رونالد ريغان» اشتركا في القيام بجانب من مجريات هذه التحقيقات، وأن المخابرات الأميركية ساورتها الشكوك بشأن ولاء كل من «إليانور» قرينة الرئيس «روزفلت» وأبي القنبلة الذرية عالم الفيزياء «أوبنهايمر» لأميركا، حتى ندرك مدى ماوصلت إليه هذه البلاد في تلك الفترة من انتهاك لحرية التعبير.
|