العربي كان يتحدث في جلسة خاصة لمجلس الأمن على المستوى الوزاري، انعقدت للنظر في شأن المنطقة العربية.
كلينتون كانت هناك. وتلقت من العربي واجب العزاء بمقتل سفيرها في بنغاري.
أما بعد أن وصل العربي إلى الشأن السوري، فقد سارع إلى المطالبة بإصدار قرار من المجلس ذاته تحت الفصل السابع!!!.
وليس في هذا الإقدام حيال الشأن السوري أية مفارقة بالقياس إلى الإحجام حيال الشأن الفلسطيني، لسبب جوهري هو أن كلينتون كانت هناك كأفعى متحفزة.
وهنا بوابة المرارة والمواجع في مخرجات «ربيع» التحالف الإمبريالي-الإسلاموي.
ولأن مهندسة هذا التحالف كانت هناك، فإن خاطف الجامعة العربية من ميثاقها ودورها القومي، كان حريصاً على الانسجام مع المتطلبات الإجرائية لسيرورة «ربيع» الارتهان لواشنطن، دون منغصات مثل موقعة بنغازي، أو المطالبة بتفعيل أحكام الشرعية الدولية ضد «اسرائيل».
اذ لا يستقيم مع الارتهان لواشنطن، متعهدة المشروع، أن ينطق مقاول باطن مثل نبيل العربي، بكلمة حق في الشأن الفلسطيني، خصوصا لأن كلينتون كانت هناك: تسمع وترى، تراقب وتسجل ملاحظات حول مدلول أية مفردة قد يتفوه بها، ولا تنسجم مع ايقاعات الجري في الملعب الأمريكي، وتؤدي تاليا، وبعد مكاتبات الوزيرة إلى شبكة مقاولي الباطن المكلفين خطف «جامعة العرب» من ميثاقها، إلى أن يفقد أمينها العام وظيفته.
ولذلك انحصرت سرديات نبيل العربي للهم الفلسطيني في باب رفع العتب، قياسا على حماسته في مقاربة الشأن السوري طبقا لأمر عمليات مجسم في أن الوزيرة كانت هناك.
وبصرف النظر عن الجوهر السياسي في طأطأة الرأس من قبل نبيل العربي، وهو في موقع الأمين العام لجامعة العرب، فإن هذه الطأطأة مثيرة للإشفاق الطافح بالمرارة والمواجع.
ونحن في سورية لا نحمل كبير وهم في إمكان أن يثوب مقاولو الباطن في «ربيع» التحالف الإمبريالي-الإسلاموي إلى رشد. ولا أن يقوموا بإجراء مراجعة لوضعية طأطأة الرؤوس أمام واشنطن, حتى وإن تزامن احتضانها لمجلس اسطنبول الإسلاموي، ومن في حكمه في تونس وليبيا ومصر واليمن، مع الإساءات المتتابعة للإسلام، ومع انتهاك ضوابط الشرعية الدولية حين يتعلق الأمر بفلسطين.
فالمراجعة ليست شغل هؤلاء. بل إن مهمتهم الوحيدة هي الإمعان في الخيار الفاسد الذي ارتضوه مهما كانت تبعاته في حقل طأطأة الرؤوس المثيرة للإشفاق. وذلك لأن تبعات المذلة والخزي عند هؤلاء الذين سلموا رقابهم لواشنطن، محسوبة على أساس أنها «مشكلات شخصية»، تضؤل أمام الأهمية الجسيمة لمشروع التحالف الإمبريالي-الإسلاموي، وهي إعادة صياغة وطن العرب، أو «الشرق الأوسط وشمال أفريقية»، بما يحقق منافع متبادلة لطرفي التحالف.
فأي منافع لواشنطن وللإسلامويين؟
نبيل العربي سكت عن الحق في امتناعه عن تفسير شل «مئة قرار» لمجلس الأمن صدرت ولم تنفذ في الشأن الفلسطيني، وفي امتناعه عن الإشارة، مجرد إشارة، إلى «مئة فيتو» أمريكي أحبط «مئة مشروع قرار» في المجلس نفسه، كانت لتنصف شعب فلسطين.
وهنا موطن منفعة الولايات المتحدة في سكوت نبيل العربي عن الحق. وهو أنها تحقق هدف تغيير قواعد الاشتباك في هذا الوطن، الصائر «شرق أوسط وشمال أفريقية»، بما يستأصل عروبته، وبما تخرج «اسرائيل» من قائمة أعدائه.
وهذا هدف تسعى الأنظمة الإمبريالية نحوه بدأب ممنهج, وإلى أن يسود التطبيع. وهو هدف بالغ الراهنية والإلحاح. وبشكل خاص اذا كف العرب عن الخيارات الفاسدة.
ولكن ما هي منفعة المنخرطين في التحالف الإمبريالي-الإسلاموي؟
مبلغ ال45 مليون دولار التي وعدت كلينتون في 28/9 بإضافتها إلى مساعدات واشنطن للإسلامويين السوريين إبان مؤتمر أصدقائهم الإمبرياليين في نيويورك، قد يرفع معنوياتهم في خوض ما أسموه «معركة حلب الفاصلة»، لكنه لن يغير مجرى الصراع المحتدم على الأرض. وهو مبلغ اذا قيس بمسؤولية الدولة الأمريكية عن الإساءة لمحمد (ص)، فإنه وصمة عار على جبين كل إسلامي يطأطئ الرأس أمام الولايات المتحدة في إطلاق الخيارات الفاسدة في مشروع صوملة بلاد العرب أو «الشرق الأوسط وشمال أفريقية»(!!!).
في الملموس، فإن تشظي الصومال إلى أشلاء محتربة يُستنسَخ في سورية، كما في تونس ومصر وليبيا واليمن: فصائل متفرعة عن الإخوان المسلمين والسلفيين و«القاعدة»، لكل منها مرجعيته, وهي تتنابذ بالاتهامات و... بالسلاح.
هذه الفصائل المحتربة في سورية أعيت نبيل العربي وباريس وأنقرة في بلوغ «توحيد المعارضات».
وهذه الفصائل في ليبيا ومصر باشرت الاحتراب الداخلي. وهي كذلك في اليمن. وشبح الصوملة يتهدد ساحات «الربيع» الإسلاموي جميعها.
ماهي الصوملة؟ إنها في اختصار صيرورة كل بلد عربي دولة فاشلة.
وهذا ما يراد لسورية ومصر بشكل خاص، بوصفهما فكي الكماشة التي ذكرها دافيد بنغوريون يوم قيام الجمهورية العربية المتحدة 1958: «لقد أصبحت «اسرائيل» كالبندقة بين فكي كماشة».
أبلسة «إخوان» مصر في بلوغ الرئاسة، خطوة نحو الدولة الفاشلة، بشاهدين: ما يجري في سيناء، وبالانفلات الوهابي في الحياة العامة.
أما سورية، فإنها تقاوم: دفعت ثمنا غاليا من دماء بنيها كي لا تصل إلى الصوملة، التي تطمئن إليها واشنطن، بدءا من الاحتضان الإمبريالي النشط لخيار مقديشو الفاسد، يوم اختار محمد سياد بري الانعطاف في 1974 عن طريق موسكو السوفييتية, ويمم وجهه كالسادات نحو «القبلة» الأمريكية.
ولأن سورية مختلفة. فإنها تستعصي على الاستدراج, ليس لأن كلينتون هناك، بل حتى لو عاد كيسنجر، محمولا على إرث أحمد زكي اليماني في إفساد الحياة العامة العربية، بالسَّعْوَدة.
Siwan.ali@gmail.com