|
صراخ المستهلكين يتعالى وأزمة الاسمنت على حالها ... عمران تقر بالهوة بين الإنتاج والاستهلاك..والسوق السوداء تلبي حاجة من يدفع! مراسلون وتحقيقات
يقول البعض همساً حيناً وفي العلن حيناً آخر, إن أزمة توفر الإسمنت التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة,ليس سببها الجوهري والأساسي عدم تمكن معامل الاسمنت من توفير حاجة الاستهلاك في السوق المحلية, وإنما هناك من يقوم على إدارة الأزمة في الخفاء كي تستفيد فئة أو شريحة محددة من المجتمع,وهذه الفئة منها ما ينتمي إلى موظفين متنفذين في المؤسسة العامة للإسمنت وفي منافذ البيع المباشر, ومنها ما ينتمي أيضاً إلى أشخاص ومتعهدين في أعمال تشييد البناء.ومثل هذا الكلام الذي يتداول اليوم وبكثير من الكثافة في أوساط الرأي العام والمستهلكين الذين يفشلون في الحصول على حاجاتهم من هذه المادة بطرق صحيحة وأسعار نظامية,
هذا الكلام وبغض النظر فيما إذا كان يصيب عين الحقيقة أم لا,فإن ما هو قائم من معطيات يومية على أرض الواقع يؤكد مثل هذه الحقيقة التي لم تعد بحاجة إلى كثير من البراهين للإسمنت وذلك على الرغم من المحاولات المستمرة لنفيها من جانب المؤسسة العامة طيلة السنوات الماضية وذلك من خلال حجج وذرائع غير مقنعة,ما يدفعنا إلى استبعاد تلك الحجج والذرائع ,هو أن من يتوجه إلى السوق السوداء وفي كافة محافظات القطر بمقدوره توفير الكميات التي يرغبها مهما كانت أرقامها مرتفعة,وإنما بأسعار تزيد بنحو الضعفين أو أكثر عن حقيقة السعر الرسمي المعمول به في مؤسسة عمران..وما يجعلنا نشير وبكثير من الحسم على أن الأزمة من ألفها إلى يائها مفتعلة هو أن كافة أصحاب المشروعات من متعهدين وسواهم من الذين يقومون بأعمال تشييد المشروعات السكنية في القطاع الخاص.. هؤلاء لم تتوقف أعمالهم واستجرارهم لمادة الاسمنت والكميات التي يرغبونها ,في حين لو كانت هذه المادة ليست متوفرة ولا تشبع حاجة السوق لتعذر توفرها حتى لو وصل سعر الطن الواحد إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف سعره النظامي.
من يتابع اليوم وبكثير من الاهتمام ما تطلقه المنابر الإعلامية من أسئلة واستفسارات حول أسباب الأزمة وا لدور المنوط بمؤسسة عمران والإجراءات والتدابير التي تتخذ بين الحين والآخر لتحقيق الوفرة في الإنتاج..هذا المتابع سوف يلحظ ومن غير عناء ,أن المنابر الإعلامية تعيد بين الحين والآخر إنتاج ذات الأسئلة التي يعاد طرحها,وأيضاً في الوصول إلى نتائج لا تختلف عن سابقاتها في سنوات ماضية, وهذه النتائج غالباً ما يكون مصدرها هذا المسؤول أو ذاك في المؤسسة,انطلاقاً من ضرورة خلط الأوراق والتشويش على حقيقة الأزمة والأسباب والظروف التي تقف وراءها. في حال العودة إلى الماضي القريب وعلى وجه التحديد في أعقاب انهيار سد زيزون,سوف نلحظ أن أزمة توفر الاسمنت قد بدأت تطل برأسها وتترك تداعياتها بدءاً من ذلك الوقت ,وفي حينها كان هناك ما يبرر لمؤسسة عمران القول: إن الجزء الأكبر في الإنتاج كان يذهب في صالح إعادة تشييد السد من جهة وبناء وتشييد القرية النموذجية للتعويض عن الأضرار التي لحقت بالسكان من خلال منحهم الشقق البديلة,غير أنه ومع استكمال أعمال ما تهدم من السد وانجاز القرية النموذجية قبل نحو العامين انتفت مثل هذه الذريعة,بينما استمرت أزمة الاسمنت وبقيت على حالها ما يعني في هذا الجانب أن ثمة حلقة مفقودة ولابد من البحث عنها للوقوف عند حقيقة الأزمة..نعود ونسأل مجدداً مثل غيرنا..هل يعود مصدر الأزمة إلى عدم تمكن معامل الاسمنت من إشباع حاجة السوق الفعلية..أم أن الأزمة مفتعلة ويقف وراءها فئة من أشباه التجار والسماسرة مثلما سبق وذكرنا? سبق وأشرنا في هذه المقالة أن هناك من يدير الأزمة ويفتعلها في السوق السوداء وكي لا يخرج علينا أحدهم ويقول ولكن الأرقام الرسمية تشير إلى حدوث تباين ما بين حقيقة الإنتاج الفعلي والاستهلاك نعود ونقول: إنه من البديهي أن يكون هناك بعض التباين بين أرقام الإنتاج والاستهلاك ,وإلا -لولا هذه الحقيقة ¯ لما ظهرت السوق السوداء واتسع حضورها,غير أن النقطة الأهم تستلزم الكثير من توجيه الأنظار إليها هو أن هذا التفاوت ما بين حاجة السوق والاستهلاك يفترض وعلى أقل تقدير خلال السنوات الماضية أن لا يجعل من القائمين على السوق السوداء يديرون دفة الأسواق مثلما تشهد في الوقت الحاضر, فالأرقام الرسمية التي جاءت على ذكرها المنابر الإعلامية الرسمية أشارت غير مرة أن التفاوت ما بين حقيقة الإنتاج والاستهلاك كان قد بدأ في الظهور خلال العامين الأخيرين وذلك كنتيجة مباشرة لما تستلزمه مشروعات السكن الشبابي التي تقوم بتنفيذها المؤسسة العامة للإسكان وبخطوات متسارعة انطلاقاً من وعود الحكومة في العمل على إنجازها ضمن الفترة الزمنية المحددة لها... ومانعنيه في هذا الكلام-مرة أ خرى- أن الأزمة لا تعود إلى قبل عامين وإنما تفاقمت منذ مطلع العام ,2000وهي ازدادت اتساعاً خلال العام الماضي والحالي. هناك هوة اليوم في السوق المحلية بين حاجة الاستهلاك وحقيقة ماهو متوفر من الاسمنت ,فالحاجة الفعلية حسب أرقام مؤسسة عمران تصل إلى نحو 5,9 ملايين طن اسمنت سنوياً في حين وصل الإنتاج الإجمالي لكافة معامل المؤسسة إلى نحو 5,2 ملايين طن..وذلك في حال تشغيل كافة المعامل بطاقتها القصوى وعدم توقف بعضها عن الإنتاج لأسباب فنية أو بسبب الصيانة الدورية ... غير أن المؤشرات الأولية لواقع حال الحراك الاقتصادي في قطاع التشييد والبناء يشير إلى أن الهوة قد تتسارع وإلى حدود قد تفوق الأرقام المذكورة ,فاليوم يتواتر التسجيل على مشروعات السكن الشبابي ,كما أن مشروعات الادخار السكاني في مؤسسة الإسكان شهدت اقبالاً فاقت حدود التوقعات في معظم محافظات القطر, وأيضاً تمضي الحكومة باتجاه تخصيص الجمعيات السكنية في القطاعين العام والخاص بمساحات من الأراضي تفي حاجة هذه الجمعية أو تلك,وأيضاً وعدت الحكومة أنها ستصدر في وقت قريب قانون الاستثمار العقاري,..كل هذه التحولات والمستجدات على صعيد قطاع البناء وسواها من المشروعات التي بدأت تنشط لجهة مشروعات الاستثمار السياحي,تشير وبلغة لا ينقصها الوضوح, أن أزمة توفر الاسمنت قد تشهد فصولاً في المستقبل القريب أشد وطأة وحدة من سابقاتها ما يعني أن على الحكومة البحث عن اجراءات وتدابير فورية ليس فقط من أجل إزاحة سيف تجار السوق السوداء عن رقاب المستهلكين وإنما أيضاً من أجل عدم التسبب في وقف مشروعات عملاقة تسهم إلى حد كبير في تنشيط الأداء الاقتصادي من خلال قطاع حيوي اسمه السكن والإسكان. الإجراءات والتدابير الفورية التي ندعو الحكومة من أجل اتخاذها ,نأمل أن لا تندرج ضمن ذات الحلول القاصرة التي سبق وأقدمت على ترجمتها مؤخراً أو خلال السنوات الأخيرة ,وما نقصده في هذا الكلام ليس فقط السماح باستيراد كميات محددة من الأسواق المجاورة, وإنما فتح بوابة الاستيراد على مصراعيها للقطاع الخاص, حيث تتوفر المادة بما يوافق الحاجة الفعلية,مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة ضمان تسويق الإنتاج المحلي, وباعتقادنا أنه لاخوف أو خشية في هذا ا لجانب, ذلك أن أسعار هذه المادة في مؤسسة عمران والمنافذ التي تتبع لها ستبقى ضمن الأسعار المنافسة التي ستقل عن مثيلاتها في القطاع الخاص, وما يدفعنا في التشجيع على السماح لهذا القطاع في الدخول إلى ميدان البيع والشراء,هو أن المؤسسة سبق لها وتعاقدت على شراء كميات من السوق الخارجية غير أن واقع الحال لم يتبدل بسبب قلة المواد المتعاقد على استيرادها, وبالمناسبة هناك من بدأ في الشهور الأخيرة في الترويج إلى إمكان خصخصة معامل مؤسسة عمران من خلال بيع أصولها للقطاع الخاص.. وحقيقة في حال صحت هذه المعلومات فإن الإقدام على هذه الخطوة سوف يمثل عين الخطأ, ذلك أن مؤسسة عمران من المؤسسات الرابحة التي تقوم برفد خزينة الدولة بفواتير كبيرة من الأرباح .كما أن المادة الخام في مقالع القطر متوفرة بكميات ضخمة وليس هناك من خوف على نفادها.وإضافة إلى ذلك فهناك الآلاف من العمال يتبعون إلى هذه المؤسسة ولا يجوز التخلي عنهم بين ليلة وضحاها مهما كانت الحجج والأعذار مقنعة.وحتى لو حاول أحدهم طرق فكرة الاستثمار -بدلاً من الخصخصة يتعين العمل على رفض الفكرة مادام أن الاستثمار في هذا الجانب يحقق الجدوى الاقتصادية ويترك أرباحاًً معقولة. كي لا نخرج عن جوهر الفكرة التي نحن بصددها نعود ونقول:..ندرك أن الحكومة سمحت قبل وقت قصير للقطاع الخاص في تشييد المزيد من معامل الاسمنت,انطلاقاً من العمل على إعادة هيكلية هذا القطاع. وفي حال التوقف عند اجراءات الروتين والبيروقراطية التي تستلزمها شروط انجاز هذه المعامل وعمليات السماح التي تسبق انجاز هذه المعامل وما يحيطها من ظروف لسنا بصدد التوقف عندها..في حال الأخذ بعين الاعتبار مثل هذه القضايا, فذلك يعني أن فترة زمنية طويلة تستلزم الانتظار إلى حين قيام هذا المستثمر أو ذاك في اختيار الأمكنة المناسبة لتشييد المشروع وتوريد التجهيزات من السوق الخارجية.وتحسباً من كل هذا, فعلى الحكومة تقديم كافة التسهيلات التي تتيح للقطاع الخاص العمل على توريد الكميات التي تفي بحاجة السوق المحلية..والمقصود في هذا الكلام هو السماح بصورة مؤقتة إلى حين إنجاز المشروعات المرتقبة للقطاع الخاص.... فالأزمة -وكما قلنا- تبشر بمزيد من التفاهم والاتساع وليس هناك ما يبرر البقاء مكتوفي الأيدي وكأن الأزمة في مكان آخر من هذا العالم.! marwanj @ureach. com
|