أرسلت وزير الخارجية الأميركية في جولة مديدة إلى شرق أوروبا وجنوب القوقاز، وهي جولة استهدفت أيضاً اسكات المنتقدين المحافظين، الذين يتهمون الادارة بالتضحية بحلفاء أميركا مقابل التوصل إلى مصالحة مع موسكو.
وقد سعت ادارة أوباما بالفعل إلى تطبيق استراتيجية من بعدين: استئناف التواصل الدبلوماسي مع موسكو، في الوقت الذي تؤكد واشنطن حق حلفائها في أوروبا الشرقية وجوار روسيا في تقرير سياساتها بنفسها ورفض حجج روسيا القائلة إن هذه الدول تقع في مجال نفوذها الاقليمي والدولي. والسؤال الرئيسي المطروح هنا لا يتعلق بسياسة ادارة أوباما، بل بما يدعم هذه السياسة لكي تنتج أشياء ذات معنى. ويمكن القول: إن هذه السياسات لم تتبلور حتى الآن وهذا خلل نأمل أن يكون تم تصحيحه بعد جولة كلينتون الأخيرة.
والواقع إن إدارة أوباما حققت نجاحاً واضحاً في تصحيح علاقاتها مع دول وسط وشرق أوروبا في عدة مسائل مثل الدفاع الصاروخي. ومن خلال التفاوض على مفاهيم استراتيجية جديدة ثمة فرصة لطمأنة هذه الدول، بالانخراط في التخطيط الدفاعي واجراء تدريبات ومناورات عسكرية مشتركة، اضافة إلى المساهمة في بناء البنية التحتية الدفاعية لهذه الدول. غير ان التعامل مع منطقة جنوب القوقاز يبقى مهمة صعبة أكثر مما يبدو للوهلة الأولى. فقد فوجىء الغرب كله قبل عامين عندما اندلعت الحرب بين روسيا وجورجيا وهددت بزعزعة استقرار المنطقة بأسرها.
ويجب عدم استبعاد تجدد النزاع المسلح في المنطقة. وعلى إدارة أوباما مواجهة ثلاثة تحديات رئيسية:
تدهور العلاقات بين اذربيجان وأرمينيا، مع تواصل النزاع حول إقليم ناغورني - كارباخ بين الدولتين . وتؤكد عمليات تبادل إطلاق النار ومصرع عدد من الأشخاص من كلا الجانبين، تصاعد التوتر بينهما في ظل انهيار محاولات المصالحة بين تركيا وأرمينيا، على أمل أن يكون هذا الانهيار عابراً ومؤقتاً . وفي ظل غياب العمل الدبلوماسي الدولي والاميركي في المنطقة، فإن من شأن تبادل اطلاق النار بين الدولتين أن يخرج عن السيطرة ويتحول إلى حرب شاملة بينهما.
- علينا ألا نتوهم أن الحرب الروسية- الجورجية انتهت إلى غير رجعة. فلا تزال موسكو عازمة على كسر ارادة تبليسي المتطلعة إلى التحالف مع الغرب . وربما تفضل موسكو خيار الانتظار إلى حين الاطاحة بنظام ميخائيل سكاشفيلي قبل أن تخطو خطوتها التالية، علماً أن أهدافها الاستراتيجية ازاء جارتها جورجيا ظلت مكانها دون أن تغيير. وبينما تمكنت جورجيا من تجاوز صدمة الحرب وتأثيرات الأزمة المالية الاقتصادية الأخيرة، يظل النزاع القائم مع موسكو بشأن الاقليمين الانفصاليين: أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، ووجود قوات عسكرية روسية فيهما يهدد عملياً كل خطوات الاصلاح السياسي والاقتصادي التي تخطوها جورجيا.
ولعل الخطر الأكبر على منطقة شمال القوقاز بأسرها هو تعاظم قوة المتطرفين وتواصل أنشطة التمرد المزعزعة للاستقرار. والخوف من أن تتعرض أولمبياد كرة القدم الدولية التي يتوقع أن تقام في سوشي عام 2014، وهي مناسبة تمثل امتيازاً دولياً لموسكو لهجمات وأنشطة إرهابية. وكمال قال رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، فقد تحتاج موسكو إلى تنظيف المنطقة عن طريق استئصال مخاطر محتملة لهجمات إرهابية على الاولمبياد . هذا يدفعنا إلى توقع أن تشن موسكو حملة عسكرية قوية ضد الجماعات المتطرفة قبل بدء وصول اللاعبين والصحفيين إلى سوشي في عام 2014 . غير أن تجارب عديدة سابقة أثبتت أن من شأن مثل هذه الضربات الاستباقية أن تزيد الوضع الأمني سوءاً بدل تحسينه.
والعواقب المحتملة لدعم موسكو المستمر للجماعات الانفصالية لا تمثل هاجساً أمنياً لها وحدها، وإنما تمثل كابوساً للغرب بأسره. ولنا أن نتصور ما يمكن ان يحدث في تلك المنطقة فيما لو توثقت العلاقات بين الجماعات المتطرفة هناك ومثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان. وحتى في حال عدم انتشار هذا الوباء في هذه الرقعة الشاسعة، فإن الأوضاع الراهنة من شأنها زعزعة استقرار منطقة جنوب القوقاز . والمعروف تاريخيا أن روسيا كثيراً ما تستغل جنوب القوقاز لفرض سيطرتها على شماله. وفيما لو كررت هذا التقليد، فلاشك في أننا سنواجه نزاعاً إقليمياً جديداً هناك. ومن أجل تجنب مثل هذه الكارثة، ينبغي على واشنطن والغرب أن ينخرطا في عمل دبلوماسي جدي يهدف إلى توفير الضمانات اللازمة لاستقرار منطقة شمالي القوقاز.
عن الواشنطن بوست
بقلم: رونالد أزموس (نائب مساعد وزير الخارجية في ادارة كلينتون)