يبدو أن سبب قصورنا هو أن كل هذه الوبيات تحدث في مكان آخر بعيداً جداً عنا، فبكاء الجائعين ونداءاتهم لا تصل إلى آذان الأميركيين والأوروبيين مع أن تلك الأصوات هنا... ولا يزال رنينها يملأ أذني... هذا ما قاله الخبير والمحلل السياسي/ جورج ديسوناز/ هذا في وقت أكد فيه الجيولوجي/ دايل الن بفايفر/ أن العقود القادمة قد تشهد موجات ضخمة من التجويع على مستوى عالمي لم تعرف البشرية له مثيلاً من قبل...
بينما كان وزير الدفاع الأمريكي الأسبق/ روبرت مكنمارا/ قد أشار عام 1979 إلى أن الارتفاع الصاروخي لعدد سكان العالم يشكل أكبر عائق أمام التطور الاقتصادي والاجتماعي والموارد التي تحتاجها أميركا، لهذا ينبغي علينا الآن وليس غداً أن نمنع وصول عدد سكان الكون إلى عشرة مليارات نسمة، إما بتخفيض معدل الولادات أو برفع معدل الوفيات من خلال الحروب... أو المجاعة والأمراض وهما سلاحان ما زالا موجودين حتى الآن.. في حين قال / هنري كيسنجر/ تحكموا بالبترول تتحكمون بالأمم، وتحكموا بالغذاء تتحكمون بالسكان مضيفاً أن المجاعات المتواترة قد تشكل فعلياً وسيلة للتحكم بالسكان.
وفيما عبر مانديلا عن الفقر بأنه الوجه الحديث للعبودية وصف خطر الجوع بأنه الأقسى اليوم في العالم، وشبه الأغنياء بالجزيرة المحاطة من كل الجوانب ببحار الفقراء، وإن هذه المعضلة تزداد يوماً بعد يوم رغم التقدم الذي أحرزته البشرية في شتى المجالات لتقدم الخدمات لستة مليارات من البشر، لكن خمس سكان العالم من البلدان النامية يتضورون جوعاً وتقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان الغنية على غذاء القطط والكلاب لـ6 أيام.
وظلت المجاعات تتفشى عبر العصور في الأرض، من منطقة لأخرى كل عدة سنوات والمجاعة هي حالة شح الغذاء أو عدمه التي تعانيها جماعة بشرية معينة وما قد ينجم عنها من موت أو مرض، وكذلك ما قد تؤدي إليه من آثار سياسية واقتصادية واجتماعية، وللمجاعات كما هو معلوم أسباب متعددة، طبيعية وبشرية، وأهم أسبابها الطبيعية القحط، أي انحباس المطر أو تأخره عن موسم البذار، ما ينتج عنه شح الغذاء وارتفاع سعر المعروض منه إلى ما فوق إمكانيات غالبية الناس، وقد تتفاقم الأزمة من جراء عوامل طبيعية أخرى مثل سقوط البرد والجليد وهبوب العواصف. أو هجوم الجراد وتدميره للزروع والمحاصيل. أو انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة. بيد أن توالي المحل يظل العامل الأساسي الذي تنتج عنه المجاعة، وأما لأسباب البشرية فيقصد بها الحروب والفتن والاضطرابات.
وتشير الوثائق إلى أن أول مجاعة حدثت في الجزيرة العربية كانت في عام 639 وهو ما يطلق عليه عام/ الرمادة/ في عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي قال لو كان الجوع رجلاً لقتلته، وفي اسبانيا أصاب الجوع والمرض البلاد في سنة 647م في عهد الملك القوطي شيندا سفينتو كما تؤكد هذه المصادر على أن أول مجاعة في تاريخ القارة الأوروبية هي تلك التي قضت على نحو سبعين في المئة/70٪ من سكان « روما القديمة» عام 440 قبل الميلاد، أما في الصين فمنذ عام 108 بعد الميلاد وإلى عام 1911 حدثت على الأقل ألفا مجاعة ما بين المجاعات التي قضت على حياة عشرات الملايين إلى المجاعات التي قتلت مئات الآلاف، وسبق أن حصلت مجاعات عدة كبيرة في أقاليم عدة خلال عام واحد، وخلال الفترة من 1850 و1873 تناقص عدد سكان الصين إجمالاً بنحو ستين في المئة 60٪ بسبب القحط والجوع وفي عام 1877 وقعت مجاعة جديدة ما أدى إلى هلاك 9.5 ملايين إنسان أما آخر مجاعات الصين الكبرى فقد أدت إلى موت نحو عشرين /20/ مليون شخص وحدثت بين عام 1959 وعام 1961.
وفي كوريا الديمقراطية حدثت أيضاً مجاعات كثيرة آخرها 1996 ،أما خلال القرن الحادي والعشرين فإن جميع المجاعات الأربع التي حدثت كانت كلها في أفريقيا وأولها في دارفور في عام 2003، كما حلت المجاعة في أيرلندا بين عامي 1845و1847 م، ونتجت عن فساد محصول البطاطا الذي كان في ذلك الوقت الطعام الرئيسي لكثير من الأيرلنديين، وعلى الرغم من توزيع المساعدات فإن أكثر من 750.000 شخص لقوا حتفهم، بسبب الجوع والمرض، وهاجر عدد مماثل، اتجه أكثره إلى الولايات المتحدة، وهبط تعداد سكان أيرلندا من 8 ملايين شخص إلى 6.5 ملايين وأما في المقاطعات الأكثر فقراً، مثل مايو وكري فقد انخفض العدد إلى النصف.
ويرى / فرانسيس مور/ أحد المشاركين بمعهد سياسات الغذاء والتنمية/ الغذاء أولاً/ أن المجاعات الحديثة في بعض الأحيان تفاقمت من جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة والتصميم السياسي على إفقار أو تهميش قطاعات معينة من السكان أو أعمال الحرب.