قلت ماذا تحلم أن تكون في المستقبل؟ قال أحلم وأعمل منذ الآن لكي أكون رائد فضاء وتابع قائلاً بوعي يتجاوز عمره بكثير: نحن العرب لدينا عمالقة الشعر كما يقول لي أبي، وبدأنا العلوم الطبيعية فاخترعنا علم الجبر والهندسة ووقفنا والآن نحن مسبوقون، علماً أنه يوجد في مراكز البحث العلمي في أوروبا وأمريكا عدد كبير من العلماء العرب الأفذاذ.
قد يتساءل القارىء: ما علاقة هذا المدخل بالذي ذهبت إليه بموضوع الحداثة بشكل عام والحداثة الشعرية بشكل خاص.
أجيب أولاً على النحو التالي:
إن معظم المخترعات الحديثة هي محصلة الخيال العلمي، ففنان كـ«ليوناردو دافنشي» وضع منذ مئات السنين تصاميم للطائرات والسفن الحديثة التي أصبحت حقيقة منذ مئة عام وفرانسيس بيكون منذ عام 1564 وضع تصميماً شاملاً للمدينة الحديثة كما نراها الآن ونحياها تقريباً في كتابه (المدينة الحديثة).
أذهب أبعد من ذلك وأقول كانت لدينا مدن عربية حديثة في عصرها كـ«بابل وسامراء وغرناطة واشبيلية» وقبلها بآلاف السنين أوغاريت وبيريت وصيدون وقرطاج.
إذاً :فالقيمة الحقيقية للحداثة الأدبية والشعرية في رأيي هي أن تكون بناءة تعيد رسم وتصميم مدينة المستقبل العربية، فهي ليست ألغازاً أو مجرد نقمة عارمة على الواقع أو لعباً مجانياً شكلانياً.
إنها منظومة رؤيوية معرفية عقلانية وما بعد عقلانية. تتضمن أعلى أشكال الهدم والبناء بهندسة جديدة للغة تحوّم، هناك مؤامرة محبوكة على العقل العربي حبكها الفكر الاستشراقي الاستعماري وسار في ركابها أتباعه من خريجي الثقافة الاستعمارية الغربية يقوم على نسف وتدمير مرتكزات العقل العربي باسم الحداثة. ومن أبرز دعاويها ومرتكزاتها نسف وتدمير أي علاقة بيننا وبين تراثنا الشامخ الذي أعطى أعظم الشعر منذ الجاهلية وحتى الشعر العربي الحديث مروراً بالمتنبي والمعري وكبار مؤسسي الفلسفة وعلم الاجتماع كابن رشد وابن خلدون.
ولاشك أن ثورة الشعر العربي الحديث قد قدمت شعراء وقصائد حديثة لا تقل عن أعظم قصائد رامبو وإليوت وسواهما، وشكراً للراحل ادوارد سعيد الذي عرّى وفضح الاستشراق.