أرض فلسطين العربية التي ما يزال أبناؤها يتجرعون مأساة المؤامرة السياسية الدولية من تهجير واستيطان الى اغلاق للمعابر والحصار والتضييق على كل نواحي الحياة.
وتعود قصة وعد بلفور الى عهد الانتداب البريطاني لفلسطين منذ اوائل القرن العشرين حيث تبنت سلطات الانتداب سياسة ايجاد كيان يهودي سياسي في فلسطين.
وتوجت بريطانيا سياستها هذه بوعد بلفور الذي أطلقه وزير خارجيتها انذاك ارثر جيمس بلفور عبر رسالة الى اللورد ليونيل روتشيلد يشير فيها الى تأييد الحكومة البريطانية لانشاء وطن قومي لليهود على ارض فلسطين.
وكان الربط الاستراتيجي بين أهداف الحركة الصهيونية وأهداف الدولة البريطانية الاستعمارية له شقان الاول سياسي تمثل بالمصالح المشتركة ذات البعد الاستراتيجي بينهما والثانى ديني تمثل بهواجس مقلقة لبريطانيا من هجرة يهود روسيا وأوروبا الشرقية اليها.
ففي عام 1902 قال هرتزل منظر الحركة الصهيونية أمام اللجنة الملكية لهجرة الغرباء في لندن أنه لا شيء يحل هذه المشكلة سوى تحويل تيار الهجرة من أوروبا الشرقية الى مكان اخر وهنا وجدت بريطانيا أن لها مصلحة في توظيف هذه العملية في برنامج توسعها في الشرق الاوسط فحولت قوافل المهاجرين اليهود الى فلسطين بعد صدور الوعد اثر مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية قبل أن يخرج بشكل خطاب موجه من ارثر بلفور وزير الخارجية البريطاني يوم 2 تشرين الثاني 1917 الى اللورد روتشيلد.
وكان نص تصريح بلفور قد عرض على الرئيس الامريكي انذاك ولسون الذي وافق على محتواه قبل نشره كما وافقت عليه كل من فرنسا وايطاليا رسميا سنة 1918 ثم تبعها الرئيس الامريكي ولسون رسميا وعلنيا سنة 1919.
ومن الناحية القانونية لا يحق لبريطانيا التي لا تملك أرض فلسطين أن تعطيها لليهود وطالما أن وجودها فيها غير شرعي أصلا كونها دولة احتلال بحسب القانون الدولي فيعتبر وعد بلفور باطلا وبالتالي كل ما نتج عنه باطل أيضا أي إن قيام اسرائيل على الارض العربية في فلسطين هو وجود باطل.
وتعود محاولات اليهود للسيطرة على أرض فلسطين الى ما قبل الحملة الفرنسية على مصر عندما بدأ الحديث عن انشاء وطن خاص بهم يجمع شتاتهم ويكون حارسا على مصالح دول أوروبا الاستعمارية في الشرق وتجلى ذلك بوضوح في خطاب نابليون الذي وجهه الى يهود الشرق ليكونوا عونا له في هذه البلاد وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها لدى كثير من اليهود.
ومع نهايات القرن التاسع عشر انتقلت فكرة الصهيونية التي تزعمها تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية من مرحلة التنظير الى حيز التنفيذ وذلك بعد المؤتمر الصهيوني الاول الذي عقد في بازل عام 1897 وتجلى ذلك بوضوح في سعي الصهيونيين الحثيث للحصول على تعهد من احدى الدول الكبرى باقامة وطن قومي يهودي وهنا حاول هرتزل رشوة السلطان عبد الحميد سلطان الدولة العثمانية صاحبة السيادة على فلسطين وقتها من أجل الحصول على فلسطين بعد أن ثبت فشل السيناريوهات البديلة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية الا ان السلطان رفض ذلك كما يذكر التاريخ.
وهكذا بدأ البريطانيون يضعون الخطوط الرئيسية لفكرة الوطن اليهودي القادر على تأمين المصالح البريطانية في المنطقة فصدر وعد بلفور ونشرته الصحف البريطانية في 8 من تشرين الثاني 1917م حيث سارعت دول أوروبا الى تأييده.
ولم تكد تمضي بضعة أشهر على هذه الاحداث حتى وضعت الحرب العالمية الاولى أوزارها ودخلت الجيوش البريطانية بقيادة اللورد اللنبي الى القدس وفي عام 1920 وافق المجلس الاعلى لقوات الحلفاء بالتعهد الى بريطانيا الانتداب على فلسطين ووضع وعد بلفور موضع التنفيذ الرسمي في عام 1923 بعد أن باركته عصبة الامم المتحدة وقتها.
وتتلاقى خطوط المؤامرة على فلسطين وتتضح أهدافها بعد أن يتخذ اليهود من وعد بلفور ذريعة لقيام دولتهم حيث تولي اسرائيل وعد بلفور أهمية خاصة وتعتبره أحد المستندات التي تستند عليها فقد أشار اعلان قيام اسرائيل الى اعتراف وعد بلفور بحق الشعب اليهودي في تحقيق وطنه المفترض كما استندوا الى أن الجمعية العامة للامم المتحدة قد أقرت في 29 تشرين الثاني 1947 مشروعا يدعو الى اقامة دولة يهودية على ارض فلسطين.