تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نحن وقضايانا.. واتساع المدى

شؤون سياسية
الأربعاء 4-11-2009م
د. أحمد الحاج علي

فتح المدى والارتياد، تلك هي الخاصية التي تلازم السياسة وتحكم أنماطها، تتحكم بمجرياتها الراهنة وترسم ملامحها القادمة، والأحداث في حياة الأمم الحية تكبر عن كونها مكاناً جغرافياً وعن كونها مجموعات بشرية تتناقض مرة بالاعتداء، وتتكامل مرة أخرى بالتوازن والتفاعل والسلوك.

لعلنا في هذا المقام نعيش كل آلامنا السياسية العربية، وقد تسلط علينا منذ القدم هذا النمط من السلبية والتقوقع في الموضوع والانكفاء عن الآخر، وهناك من روج لاستقرار حبل النجاة عبر أسلوب اجترار الذات وفتح معابر نفسية مابين الألم ومصادر النجاة التي قد تكون هلوسة التاريخ تارة واليانصيب الذي يصل إلى حد القدر تارة أخرى، وفي المآل انتظرنا وطال انتظارنا وصار الاعتقاد بالمجهول أشد جذباً لاعتقادنا بالمعلوم، نحن في ظرف العزلة وقد قدرناها على أحداثنا وقضايانا وفتحنا بطريقة الوهم آفاقاً بخورية، ضمناها صبواتنا، وعطرناها بشعرنا وعلمنا صغارنا أن يتقنوا طقوس الندب والتقليد، وبأن الدنيا بكل بشرها وحضاراتها وسياسات أممها لاتعدو كونها بقعة العتمة التي تحاصرنا ونحاصرها في المأزق على الأرض وفي وعي الأحداث وفي التبصر بمداراتها ومساراتها. كان ذلك مدخلاً طبيعياً كي يدرك الآخرون الغرباء هذا الحال عن العرب، إن الثابت في الموقع المنكمش على ذاته وآلامه لن يكون مجرد فرجة للآخرين بل سرعان مايتحول إلى عنصر جذب ومنطقة إغراء ولاسيما حينما تكون الأرض العربية على هذا المستوى من صمت ساكنيها وغنى ثرواتها وقوة مدها التاريخي الذي كان، لعل ذلك هو الذي أغرى الآخرين بأن يأتوا إلينا طامعين ومستعمرين، وماتغيرت نظرة الآخرين إلينا بهذا الخصوص، إنها ذات الدول حاربتنا عن بعد في مرحلة من التاريخ واستعمرتنا حتى الثمالة في مرحلة أخرى، وقتلتنا حتى حدود الإبادة في مرحلة ثالثة وتعبث بنا إلى مستوى الاستهانة في مرحلة كالتي نعيش، دائماً هم المبادرون، ودائماً هم المستبدون ودائماً هم أصحاب الحل والعقد في كل شؤوننا وقضايانا، ونعرف عن القوى الهمجية في الغرب وغيره أنها بنت قيمها ومعايير سياستها ومعابر حركتها في جوف السيطرة والنهب والإبادة ونعرف عن هذه القوى -بنسختها المعاصرة الراهنة وبمن فيها الحركة الصهيونية وإسرائيل- أنها أنجزت في مضمونها صفتين متلازمتين: الأولى أن تكون قوة الذات وشروط هذه الذات في داخل كل أمة وحضارة لديهم قائمة على تفوق الدولة وأهمية الإنسان وتعميم أوجه التطور والرفاهية في داخل كل أمة هناك، وهذه لازمة في الغرب ليس بمقدار الإيمان الإنساني بها ولكن لهدف مادي وبشري حيث لابد من تسمين المواطن هناك ودعمه وتغذيته بالفكر المتعالي والمال الذي لاينضب والرفاهية التي لاتستكين، كل ذلك من أجل أن يطلق هذا الإنسان المشبع في نواحي الأرض ويستولي ويدمر، ينهب ويسيطركي تحقق هذه الموجات غرضها عبر قيم براقة داخلها العفن والسموم وخارجها التفوق والنجوم، وإلا فكيف لنا أن نفسر مقادير العدل والمساواة والتفاعل داخل المنظومة الغربية وفي أوطانها إن في أوروبا أو أميركا ثم نرى هذا الشذوذ الذي يستولي على الغرب في إطار قتل الآخرين وتدمير الحضارات والاستهانة بالقيم وإهانة كل ماهو مشروع وثابت وعادل، وأما الصفة الثانية فهي أن الغرب أطلق المدى إلى منتهاه في أن يكون العالم كله بشعوبه وحضاراته هو المجال الأمني والحيوي لدول الغرب المتفوق، استحضروا منهجية المركز والأطراف فصارت كل عاصمة غربية هي مركز وصارت كل عاصمة عربية هي الطرف، والمركز متبوع والطرف تابع ولابد أن يبقى تابعاً،‏

إنما أردت في هذا الاستطراد أن أتابع قصتنا، أعني قصة قضايانا العربية وحقوقنا العربية وهي تستنزف وتحاصر، تجترنا ونجترها ثم في واقع السكون والحصار يأكل بعضنا البعض الآخر، يأكل الشقيق لحم أخيه ميتاً دون أن يكره ذلك ومازلت أعتقد أن ضغط الصورة المأساوية هو الذي كان يلزمنا لنكتشف عجزنا أولاً ولنلغي أوامر المصادرة والحبس لطاقاتنا العربية ثانياً، وبالتأكيد ليست الصورة قاتمة حالكة في الداخل العربي إلى هذه الدرجة،لكن المقام والسياق معاً يتطلبان في لحظة كهذه أن نرفع الغطاء عن عوامل تكبيل الذات وأن نكسر القيود الصدئة ونعرف بلهفة أننا أقوياء في قضايانا ولسنا عاجزين ثم نتحرك في الاتجاهات كلها، نستعيد مكامن العطاء في ذاتنا وننقل أهدافنا المشروعة إلى كل منطقة وإقليم في العالم، والعرب مؤهلون بفعل مشروعية الهدف وتجربة التاريخ وضرورات اللحظة المعاصرة أن ينطلقوا، أن يتخلصوا من لوثة الاستكانة والدوران حول الذات، إن تركيا قريبة وإيران قريبة وماعادت فنلندا مجرد دولة اسكندنافية في القطب المتجمد، ولاكرواتيا هي بلد مجهول الحضارة والقوة ولانعرف عنه إلا أنه خارج للتو من أزمة طاحنة، إن العالم مفتوح وما يلزمنا هو أن ننفتح على هذا العالم،لقد اختطف الحاقدون الرأي العام العالمي واستفردوا بالعرب حتى لكأننا في ذهن العالم لسنا سوى صور وطقوس وأشياء فريدة لاتصلح إلا للفرجة والتندر، الآن نكتشف أن قضايانا العربية هي على مساحة الكون وبوسعه وأن ميادين العالم كلها هي مواقع لحركة وانبعاث قضايانا العادلة والمشروعة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية