تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فاضل السباعي..الألم على نار هادئة

ملحق ثقافي
الثلاثاء31/1/2006
ضياء قصبجي

هل ينضجُ الألم على نار هادئة..أم انه يتبخر أو يحترق..؟ إن بصيص النار يشع من تحت الرماد ليدفىء الجسد البارد إذا حركته يد تمسك الملقط الحديدي.

وإن الدفء ينبعث من كانون الأديب فاضل السباعي النحاسي الأصفر، وحول هذا الكانون أكثر من واحد يرتجف برداً، ويلتف حوله ليستدفىء سواء أكان من حلب أو الجزائر أو القاهرة أو أي قطر عربي آخر هذا الكانون هو مجموعته القصصية التي صدرت الطبعة الاولىعام 5891 والطبعة الثانية 0991 في حلة جديدة وأنيقة. في مجموعته (الألم على نار هادئة)‏

فن قصصي جميل يصوغ الرؤى والأفكار ومعيشة الناس بأسلوب يدخل النفس دون أن يشعر القارىء بأنه يقرأ،بل يحس بمتعة مايجري امامه،وكأنه جالس في زاوية غرفة ضئيلة النور بحيث يرى ولا يراه أحد،وينفعل مع أناس هذه الغرفة ويشاركهم المشاعر دون أن يشعروا بوجوده. وهناك ألم فوق كانون شوقه الى وطنه وحنينه اليه وغيرته عليه، حين يكون بعيداً عنه،وهو أيضاً يتعاطف مع العدل كارهاً الظلم في شتى أنحاء العالم. في الألم على نار هادئة، خمس قصص فقط.القصة الاولى. (( صغير على الهم)) قصة واقعية مؤثرة،منقولة بأمانة القلم المبدع والاحساس الغني، عن أم تلد، وبعد أيام تأخذ وليدها وصرة أشيائها وترحل من بيت الزوجية، لتحتل أخرى تُعنى بالزينة والطيب صغيرة مدللة،مكانها والأب ظالم مستبد. يقول في قصته عنه شخصياً حين كان نسراً صغيراً.. في ص31 «وضربني أبي أمام إخوتي،..ولكن عيني، أؤكد لكِ،لم تذرف دمعةً واحدة،ياأمي» وهو أيضاً يكره الزيف والخداع.. «رأيتُ اختي، المنظومة،تُربت خدها قرب شجرة« العَسَلة»الجرداء، قائلة لها: -تسلمي لي،ما أحلاكِ يا خالتي!» في ص41 «وجدتي تحذرها» إنْ ظللتِ يافضيلة على هذا العقل،هه (وتمسك بخصلة من شعرها المحنى) إذا لم يطقك بضرة!» إذن هي قصة من عمق الواقع ،واقع زواج الأب من أخرى بعد إنجابه منها ستة أولاد كالجواهر،وعذاب الولد الحساس حين طلبت منه أمه ان يدافع عما يحيق بها من ظلم ، الامر الذي أورثه هماً ثقيلاً. قصة ((محاولة إغواء دورا)) استغرقت هذه القصة الصفحات من 32 حتى07 صفحة،ولقد جذبتني اللغة الجميلة والاسلوب المتين لقراءتها،تتنازع هذه القصة حوادث واقعية عن أناسٍ بعضهم سيئِّون، وبعضهم جيدين، وهناك وصف دقيق مسهب لما حدث مع عبدول الشاب الذي لايفهم من المرأة سوى الوعاء،أي الجسد. «كان الجميع يستمتعون برحلتهم مرحين ضاحكين،إلا عبدول الآخذ في نسج الشباك لقنص دورا». ص32 « في ساحة «ترو كاديرو»حيث يتجمع رفاق الرحلة قبيل الانطلاق،اقترب مني عبد الرحمن.. ليقول لي، وهو يفرك كفيه إحداهما بالأخرى من بردٍ ومن حماسة معاً: -مارأيك بدورا..؟ إنها صيدي الجديد،.. سهرتُ عندها ليلة أمس،استقبلتني وهي في غلالة النوم ،جسم ولاأروع». وهناك قصص تحدث بين أفراد رحلة واحدة.. ولقد جعل هذا الوصولي الكذوب بطلاً لقصته، ولو أن لفظ البطولة لايعني بأي حال من الأحوال أن يكون البطل قوياً جباراً أو يملك فقط إحدى الميزات الجيدة،بل إنه من الممكن أن يكون معقداً،مشتت الذهن،غير منتم لأي مبدأ أو سياسة. يعالج الكاتب في هذه القصة،نوايا بعض الشباب العرب الذين يرحلون الى الغرب ربما طلباً للعلم أو العمل،وإذا ببوصلة تفكيرهم تتجه الى صيد البنات الحلوات،ويبدو الواحد منهم، كأنه لم يرَ فتاة في حياته،كالجائع الذي يشاهد وجبة شهية من بعيد فيخطط كيف يمكنه ان يلتهمها ،وكأن الكاتب يقول،عوضاً عن أن يذهب العربي الى هناك،ليكون صورة مثالية لوطنه،ومبادئه..يضيع. ((كاتب الخطب)) قصة شيقة،ترفل بثياب باهية مزخرفة،بالاضافة الى أنها واقعية،يؤكد من خلال الاسلوب المنساب كنبع من الماء أن الدائرة تدور على الظالم،ولابد أن يقع ذات يوم في المكان الذي أوقع فيه من كانوا تحت سلطته، وتتبدى روعة إنسانية الكاتب حين يقول لمن ظلمه سابقاً:ص57 -«أراكَ كبرتَ،هرمت، أنا لاأحقدُ عليكَ، لقد استنفدت الأعوام كل ما كنتُ أحس به من الحقد المحافظ الذي كان..لمَ لمْ تطلب مني بصراحة الرجال،الخطبة في الاسبوع الذي سبق فأكتبها على نحو ما ترضى، ثم أمضي الى زوجتي وصغاري بسلام..؟ لماذا لماذا..؟» رفع عينيه الى أعلى كالمبتهل،والدموع رأيتها تسحُّ من عينيه، وإشفاقاً عليه بكيت» لم يشمت بطل القصة أو راويها حين رأى من ظلمه في موقع سيِّىء وذليل،بل بكى معه،وهي نفسية الأديب بشكل عام،ينفعل، يثور،يغضب،ثم يتألم،يبكي..إن مشاعره وليدة اللحظة خالية من الحقد والانتقام والتشفي. والسؤال في هذه القصة،لماذا حين يكون الانسان في موضع قوة،يتلبسه الغرور كلباس، وتنخر فيه العظمة الفارغة كالسوس، فينظر لغيره على انه أقصر قامة منه..؟ في نهاية الأمر، فإن ذلك النسر الذي ينتقل بين قمم الأشجار، وينظر الى الغيوم الملونة والشمس الغاربة ويستنشق الهواء.. هو ذاته يهوي بلحظة الى الأرض لينبشَ في تراب الحياة عن قصص لاتخلو من تميز فريد، فريد حقاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية