_ عندما غادر كاندينسكي إلى برلين وأطلق فيما بعد مقولاته في التشكيل لم يكن مهووسا أو واقعا تحت تأثير موسيقى شتراوس المفضلة لديه , وهو الذي قال بقدرة الانفعال الداخلي لدى الفنان على أيقاظ أنفعال موازي في ذات المتلقي.كما أن تكثيف الرؤية في بيان أنطباعي مغلف بخاصية الحدس هو نزعة أكثر منه أستبصار , ذلك أنه لايمكن عزل القراءة الروحية للأشياء في عمل الفنان وآلية تشكل اللوحة وهذا لايكون إلابعيدا عن المحاكاة العقلية التي يقتضيها عمل الحواس. من المؤكد أن الأدراك المعرفي لحركة اللون في العمل الفني هو لاحق له لاسابق عليه , لأن الصياغات اللونية الأنفعالية تفصل بعض الظواهر وتجردها لتدفع بهاإلى التشكل من جديد وبالتالي فإن الصور الناشئة من تطورات قوامها الأنطباع الروحي دون تدخل الطاقة التحكيمية العقلية , هي التي تشكل هذا الأدراك المعرفي الناجز في اللوحة.وأن كل تناقض مطلق أو تشابه هو مستبعد سلفا, وكل العناصر المتشكلة في حدود الرؤية تسعى بديناميكية خاصّة إلى ترتيب مفردات العالم المختفي في الذاكرة البصرية للفنان.يؤكد فاتح المدرس سيد اللون في التشكيل السوري ( أنه عند حدود اللوحة يتوارى الواقع ويصبح المعنى مجموعة رؤى غير واضحة المعالم تتسارع أمامك في أمزجة لونية حائرة حيث البشر عبارة عن رؤوس سابحة في فضاء معتم وعالم سديمي يسرقك مما أنت فيه ليضعك في داخله دون أن تستطيع التحكم بدرجة التجاذب المتبادلة ) هذا السلوك كان متبعا أيضا لدى ( غويا ) في النزوات حث كان مبتعدا في حالات مربكة من الجنون واستطاع أنتاج مايربو على ثلاثمائة عمل ترتبت وفق إيعازات الرؤى والأحلام والتماعات اللاشعور المكوّن أساسا في السديم الروحي , وقد خرج غويا وفقا لحركة الأحاسيس بنتاج خلاق يغلف فهمه المتوتر للأشياء. بين هذه التنويعات في خط الموت في نزوات غويا واكتشافات كاندينسكي وإعادة بعث اللون لدى الأنطباعيين والفلسفات التي قال بها بيكاسو وفاتح المدرس.......على الفنان أن يكون مسؤولا لامحالة لكي يستطيع إلتزام مقولاته في المشروع الأنساني على نحو مختلف. يوم شاهد غوتيه لوحة السامري الصالح لرامبرانت وصفه بأنه ( مصور يعيد تشكيل المشهد الروحي للأشياء )وفي الحقيقة أن رامبرانت لم يكن يعي مفردات العمل بالقدر الذى كان يشكله كهاجس متنام لديه , وأن المتجسد لديه أن الدراما تنمو على مسرح الروح الأنسانية وأن هذه الدراما هي لحظة التصادم بين النور والظلمات التي يحملها الأنسان في داخله. وحيث تعتبر أعمال رامبرانت الأولى شاهد كبير على اللامبالاة بالتفسيرات الكنسية وحتى بمقتضيات التوثيق التاريخي.. فإن مسالك الرؤية لديه لم تهبط إلى مستوى نثر الحياة وإنما ارتفعت إلى ذروة الخيال المؤثر المنعكس في حساسيته الشديدة للضوء.إن السؤال لماذا وضع رامبرانت البروتستانتي تصورات دينية في أعماله : هو سؤال ساذج....لأن رامبرانت في فنه لم يكن بروتستانتيا ولا حتى مرتبطا باللاهوت.وإن التأكيد القائل بأن رامبرانت عاد ببراءة اللون إلى المعنى الأول لكلمات السيد المسيح ( يقوم على أساس راسخ ) ذلك أن نتاجا ته الفنية الناضجة تتحدث بوضوح تام أنه عبر عن أفكار أنسانية تعود إلى المسيحية الباكرة التي تعري هرطقات الكنيسة وأن المواضيع التوراتية والإنجيلية لدى المعلم غريبة عن قوانين اللاهوت وهي موضوعة بحرية الخيال وخصوبة الرؤية , وتظهر أرتعاشات عاطفية تفتقر إليها الكثير الأبداعات الإيطالية التي وضعت تحت عين وسقف البابوية اليقظة , وهو إذا قد ترجم بصدق الحقائق الروحية التي توصل إليها والتي لاتنتمي إلى المقدسات بقدر انتمائها للإنسان. في زحمة الاكتشاف والمنجز البصري في فتوحات الرؤية الحديثة يترتب على الفنان أن يأخذ بأطراف المشروع التشكيلي الأنساني المكوّن للقيم التاريخية الجمالية وعليه أن ينصت إلى صوت أحاسيسه الروحية ويتماهى بشكل كلّي مع البيان اللوني الموزع ع لى السطح الأبيض وأن يمسك بإحكام باللحظات الهاربة من التزوير في حياة الأنسان وحركة الأشياء. وأن يكون من تلك الأرواح التي تقرر في مصير الجوهر الكوني , وبدون ذلك ستكون حقائقه الأنطباعية انفعالا متخيلا وحسب.‏