تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأرقــــــش والغجــــرية

ملحق ثقافي
الثلاثاء31/1/2006
حـنــــــــــا مينـــــــــا

طنت الكلمة في اذن الأرقش فلم يأبة لها « عجوزنا، فكر، طيب القلب، لذلك لا يصلح إلا لطيبة القلب و ماذا تعني طيبة القلب؟ الاشفاق الذي في غير محله أحياناً.. إنه حكيم، وليس من يشك في حكمته،

أو في خروجه، قبل الجميع، لاصطياد الذئب الأسود، وهذا اجتراء كبير، لاعلى الذئاب وحدها، وإنما،في المآل، على القلاع التي تطلعها، لكنه يفعل ذلك، دون أن يعي ذلك،وهذا لا ضير فيه، مادام وجودة في أية غابة، يؤدي إلى استنفار الصيادين في هذه الغابة، وهذا كسب جيد، والغابات الاثنتان والعشرون مدينة له في استنهاض الهمم،لمطاردة الذئاب السود فيها، ولتقديم النصح لذوي الهمم هؤلاء، الذين لولا وجوده ما كانوا، وما طاردوا، ولظلوا خاملين في بيوتهم، متسريحين، غير مكترثين، وغير عارفين إن أرغفة خبزهم اليومي، تأكلها هذه الذئاب.. ما بعد هذا خط لا يتعداه الحكيم، والعدالة الاجتماعية قبل هذا الخط لا بعده، ورغم تفهمه لها وحماسته، أحياناً، لأجلها، فإنه يراها بعيدة المنال،وهي بعيدة المنال فعلاً، لكنها مسحوبة على الزمن الآتي، والحكيم بشير يحصر اهتمامه بالزمن الحاضر، وهنا عيب حكمته كلها، هنا سلبيتها، هنا قصور عن رؤية ماهو أبعد من الراهن، وعن استشراف المستقبل، الذي علينا جميعاً أن نضع أمنياتنا فيه..ثم إن الحكيم رجل، والحكمة لا تخصي الرجولة، ورئيفة امرأة، وتلعب دور المرأة باتقان، مستثيرة شهوة الحكيم، متأبية على هذه الشهوة بعد استثارتها، تاركة صاحبها متأرجحاً في فضاء، يظن أنه وصل إلى مبتغاه في لحظة، ويجد نفسه بعيداً عن هذا المبتغى في لحظة تالية، يعيش الرجوة في يوم، والخيبة في يوم آخر، وهكذا يكون أحلى الهوى، ويكون، أيضاً، مر الهوى، بانتظار الصحوة التي تجعله يقطع مع هذا أو ذاك.. إني أحترم الحكمة الشريفة، أحبا في الحكمة المبتذلة، ألعنها، أنبذها، أجنف عنها، إلا أن حكمة حكيمنا مع كل ما فيها من شرف من أباء، فإنها سهلة الانقياد، ومجرد أن وضعت رئيفة رأسها على ركبته تراخى، انقاد،اغتلم، انقلبت حكمته تبذلت، باخت وبكلمة: أضاعت نفسها، لذلك رماني بما أنا بريء منه، عاد إلي اتهامي بالنمردة، قال عني:وغدا»نده الأرقش الطبيب ياسر، أوعز له أن يذهب بسرعة إلى رئيفة أن يقدم لها العلاج اللازم، أن يرزقها بابرة مسكنة، مهدئة، وإذا تطلب الأمر حقنة منومة، وبذلك يساعدها على الخلاص من الهسيتريا التي هي فيها حاول الحكيم بشير أن يبعث الطمأنينة في نفس رئيفة، أن يقنعها أن ما قالته قمطرة ليس سوى مثل يقال، وإنه ليس هناك حبل ولا اعدام، وأنه يصدقها القول ولا يكذب عليها، إلا أن رئيفة التي لا تزال ترى في قمطرة عدوة لها ترسخ في ذهنها على نحو هستيري، أنها ستعدم وأن إعدامها سيكون شنقاً، وهي ترتعد خوفاً من الشنق، فالموت باطلاق الرصاص عليها، أسهل رغم أن الأرقش قبل أن تموت نهائياً، سيضع فوهة مسدسه في صدغها ويطلق عليها رصاصة الرحمة. وتعقد الموقف أكثر عندما جاء الطبيب ياسر، ودون أي كلمة، أخرج السرنك وكسر إبرة أفرغ محتواها فيه ولما اقترب من رئيفة اهتاجت أكثر ظناً منها أنها ستعدم بإبرة سامة، وبدفاع غريزي عن الحياة، ضربت السرنك بكل قوتها فانقذف بعيداً، وراحت تتمرغ بالتراب حول النبع وهي تصيح:«لا أريد أن أموت لا أريد أن أموت!» والطبيب ياسر قليل الخبرة في معالجة الاهتياجات النفسية، يقف متصالب اليدين، لايدري ما يفعل، بينما الصيادون الذين وفدوا من بعض الغابات المجاورة يتراكضون، يجتمعون يتحلقون حول النبع، يأخذهم دهش غريب مما يرون، والحكيم بشير يحتضن رئيفة محاولاً تهدئتها دون جدوى، يقول لها بإشفاق أبوي: - هذا دواء وليس بسم، أقسم أنه دواء لتهدئة أعصابك قليلاً، ورئيفة تتابع صياحها: - لا أريد أن أموت، لا أريد أن أموت! إن نهاية الإنسان المحتومة بالموت، نهاية فاجعة، وحين يأتي الموت والإنسان لم يسأم من الحياة بعد، تنقلب الفاجعة إلى أشد منها، إلى ذعر حقيقي، وتسف الريح رباطة «الجأش، كما تسف الأوراق اليابسة، والمذنب، المعذب بذنبه داخلياً يرى شبح الموت ماثلاً أمامه مفسراً كل حركة من حوله تفسيراً مرعباً، يفقد معه طاقته على الاحتمال ظناً منه إن لحظة الاعدام دنت، لذلك يحرصون في السجون على التكتم على منع تسرب النبأ إلى الذي سيعدم في اليوم التالي، كيلا يمر باللحظات الرهيبة الفاصلة بين سماعة خبر الاعدام وهنيهة الاعدام ذاتها، وتأتي صورة الجلاد بوجهه الجهم، وشاربيه الكبيرين ويديه الجافتين، ذات الاصابع الطويلة المتمرسة بوضع الحبل في عنق المحكوم تركيزاً عقدتها في مؤخرة الرأس، دون اختلاج أي عضلة في وجهه أو جسده كله تأتي هذه الصورةالكريهة، لتزيد في عذاب من سينفذ فيه حكم الاعدام، الذي لا يعرف النوم، أو الهدوء أو الكف عن الاصغاء إلى كل نأمة خارج زنزانته، وتمر ذكريات حياته، شريطاً مصوراً كالحاً أمام عينيه، ولا يتوقف عذاب الموت إلا بالموت نفسه! رئيفة التي تعرف أنها مذنبة وأن عقاب هذا الذنب الاعدام كانت متوجسة من كل حركة تدنيها من الاعدام، والكأس المر الذي عليها أن تتجرعه، يتراءى، في وهم الخيال، إنه قريب جداً من شفتيها، وقد جهدت لتحييذ هذا الشعور المبهظ، إلا أنها فشلت، فالذاكرة الموضوعة على آلة العرض السينمائي، تعمل تلقائياً، يكر شريطها ويكر، ومع الذكريات التي في هذا الشريط، هناك الاسئلة الرديفة المتتالية، المتوالدة بفعل الذكريات، ومحورها: متى؟كيف؟ بأية طريقة؟ وهل الإعدام يأتي بالموت فوراً، أم أن الموت لا يكون فوراً بعد الإعدام؟ بأي طريقة؟ وهل حدث أن مات المحكوم بالإعدام قبل إعدامه؟ وهل الموت صعب إلى درجة التي تبعث في أوصال المحتضر؟ ولماذا يطول الاحتضار حتى في الموت الطبيعي؟ ولماذا يشد الجلاد رجلي المشنوق بقوة إلى تحت، كي تخرج روحه التي تتأخر في الخروج؟ وبعد خروج الروح هناك القبر، وظلام القبر، ودود القبر، والأحاسيس التي تنتاب المقبور، أم أن المقبور لا يحس بشيء؟ شيكسبير قال:«الموت نوم، ثم لا شيء» فهل الموت نوم كما قال؟ وهذا الذي قاله قبل أن يموت هل ظل هو نفسه بعد موته؟ من يدري؟ من يدري؟ أحد لا يدري، مادام أحد بعد الموت، لم يعد إلينا ليخبرنا ما هو الموت! وحتى عندما كانت رئيفة تضع رأسها على ركبة الحكيم، وتتشهى، هي الأنثى، الرغبة في الذكر عند الحكيم، لم تكن رغبتها هذه صافية، خالصة من اختلاطات الهواجس، كانت تتناسى وتتذكر في آن، وكلما حاولت الظفر بالنسيان التام، تجد نفسها في تذكر تام، وهذا ما أدى بها إلى الدخول، برغمها، في الحالة التي لا مفر منها حالة من يعرف أنه سيعدم ويعاني مشاعر الذي سيعدم، بشكل تام حيناً، وبشكل تقريبي حيناً، حتى وصلت إلى النقطة التي انفجرت فيها أعصابها، فhنهارت نفسياً، وراحت تصرخ من أعماقها: - لا أريد أن أموت، لا أريد أن أموت.. وكان الموت الذي في داخلها يرى ويسمع ويعجب، من ضعف الانسان وقوته، المتلازميين! والذين كانوا حولها، يرون ويسمعون، حكموا بأن رئيفة جنت، وإن جنونها هذا لا شفاء منه، حتى لو دخلت مشفى المجانين، وإن الطبيب ياسر طبيب أمراض داخلية، ولا علاقة له بالامراض النفسية، والخطأ الفادح الذي ارتكبه، إنه لم يعطها بدءاً بضع الحبوب المهدئة، وبعد ذلك يحقنها بإبرة مخدرة، إبرة مورفين مثلاً، حتى تهدأ وتنام، أليس كذلك يا حكيم؟ قال الحكيم بشير: - قد يكون الطبيب ياسر أخطأ، لأنه ليس طبيباً في الأمراض العصبية أو النفسية، إنما مشكلة رئيفة أعقد مما تظنون.. إنها خائفة، والخوف أساس في كل المشكلات التي من هذا النوع، وفي نوبة الهياج التي ترج كيانها لن تتقبل، حتى لو ربطت بالحبال، إن تحقن بأي إبرة.. إنها غير مجنونة، صدقوني إنها غير مجنونه. قال الصياد أكرم، الذي عانق الحكيم بشير، بعد طول فراق: - أنا من رأيك ياحكيم.. رئيفة غير مجنونة، ومعالجتها على هذا الاساس خطأ! قال صياد من بين الصيادين الذين تقاطروا على النبع: رئيفة ضحية جمالها! قال صياد آخر: - هل نفهم من هذا أن هناك من اعتدى على هذا الجمال؟ قال صياد ثالث: - هناك من حاول ففشل؟ قال صياد آخر: - ومن هو هذا اللئيم الذي حاول ففشل؟ إنها زميلتنا في مطاردة الذئب الأسود، والذي حاول اغتصابها مجرم، ينبغي أن ينال جزاءه. -ينال جزاءه على ماذا؟ الحق، كما أرى، على جمال رئيفة، لماذا هي جميلة؟ - تريد أن تقول إن الله جميل، يحب الجمال؟ الله، سبحانه وتعالى، خلق الجمال كما خلق القبح، وعباده أحرار في الموقف منهما.. رئيفة جميلة، فهل من العدل أن تدفع ثمن جمالها، لكل طامع فيه. فجأة برزت فدوى ومعها نافع الداري، فقد جاءا كما الآخرين، للقاء الذي سيعقد في إطار النبع ودون سلام أو كلام مع الأرقش أو الحكيم، خرجت فدوى باتهام جديد، مصوب كالسهم إلى قلب رئيفة، حين قالت: - لماذا كل هذا الجدل، الذي غايته إخفاء الحقيقة تحت غطاء من التشويش؟ رئيفة هذه فاجرة، وهي عشيقة دغمش، المجرم المربوط إلى شجرة الصنوبر، دون عقد نكاح شرعي.. إنها زانية، وعلى المكشوف، وhنهيار أعصابها سببه أن لعبتها السافلة انكشفت، وهي ليست مجنونة رغم‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية