تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحركات التـكفيرية وعوامل المناعة السورية

شؤون سياسية
الاثنين 25-8-2014
 حسن حسن

ظاهرة التطرف والتكفير ليست مستجدة في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ، وهي ليست سوى تعبير مكثف عن مجموعة من العناصر والمؤثرات.

أولها، شجعت السياسة في المنطقة نشوء قوى وحركات ومعاهد تعليمية ومؤسسات اعلامية وثقافية تحت العنوان الديني الإسلامي خلال الحرب الباردة وجعلت مكافحة الشيوعية اطاراً لمطاردة نفوذ الاتحاد السوفيتي ومنع انتشار حركات التحرر القومي والوطني وصولاً إلى تكفير كل مشروع تحرري في المنطقة.‏

ثانيها ، تجربة أفغانستان كانت مجالاً لحل معضلتين دفعة واحدة بالنسبة للولايات المتحدة ومعسكرها الدولي:‏

1- تكوين قوة شعبية تخوض حرب عصابات وتعوض صعوبة التدخل العسكري المباشر ضد الجيش السوفييتي عبر آلاف المقاتلين الذين حشدوا بتضافر جهود الأنظمة الموالية للغرب في التمويل والتدريب والتنظيم .‏

2- شكلت حرب أفغانستان حلاً عملياً لها هي تفريغ الشحنات الهجومية والطاقات الكامنة عند الشباب الإسلامي الساخط خارج بلدانهم بحيث يكون استثمار تلك الطاقات في الخارج حماية للأنظمة القائمة من تفجر السخط وتحويله إلى قوة اسناد يمكن استخدامها عبر شبكات التمويل والتدريب التي انتظمت بشراكات مخابراتية متعددة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية .‏

ثالثها، شكل انتصار الثورة الإسلامية في ايران منطلقاً لحركة فكرية سياسية اسلامية تحررية عنوانها المركزي التحرر الوطني وقضية فلسطين ، وهذا ما شكل أحد حوافز استهدافها ونصب السدود في وجه اشعاعها مرة بالتناقض القومي وتارة بالفتنة المذهبية . لكن تلك الغشاوات لم تفلح في صد سورية عن التعامل مع ايران الفتية كقوة حليفة في خيار التحرر الوطني ولمجابهة العدوانية الإسرائيلية وذلك لب القضية .‏

رابعها ، تبين بالتجربة التاريخية أن الأنظمة الدائرة في الفلك الأميركي والتي التحقت بالمشروع المبني على هيمنة «اسرائيل» في المنطقة منذ احتلال العراق، تلك الأنظمة عاجزة كلياً عن معالجة ظواهر التطرف التي رعتها في العقود الماضية ومن ثم استخدمتها وهي ترتد عليها في العديد من الحالات ، والتحايل على هذا العجز يقود تلك الأنظمة اليوم من جديد إلى تبني فكرة تصدير التطرف عبر اعادة استخدام الشبكات التكفيرية في مخططاتها ، وهنا تواجه خطر الافتراق عن سيدها الأميركي الراغب في تلافي خطر انتشار الإرهاب بالقرب من جدار الأمن الأوروبي.‏

أما المناعةالتي اكتسبتها سورية من سبعينييات القرن الماضي في مجابهة التكفير الإرهابي والتي تجعل منها مقصداً للتنسيق والتعاون الدولي في هذا الملف ، ليس مرده الخبرات الفنية التي تراكمت لدى المؤسسات الأمنية والسياسية فحسب، بل إن لتلك المكانة السورية جملة من الأسباب والعوامل :‏

1- تمسك سورية بترسيخ الوحدة الوطنية لشعبها على قاعدة المساواة في المواطنية ومكافحتها لكل صنوف العصبيات ومظاهرها الثقافية والاجتماعية، وليس مستهجناً أن تكون سورية بجميع مكوناتها قد هبت لمقاومة الضغوط الأجنبية ولم تفلح مشاريع تصدير الفتنة إليها.‏

2- قاعدة الوحدة الوطنية هي الفكرة القومية التي تمثل عنصر القوة التاريخي لقيادتها منذ الحركة التصحيحية وبصورة أخص مع الرئيس بشار الأسد وموافقه الصلبة والتحررية منذ احتلال العراق. والشعب السوري الذي يتمسك بعروبته وبقضية فلسطين وبموقفه النضالي ضد الهيمنةالاستعمارية يجد في مواقف بلاده وقيادتها تعبيراً حياً عن الوجدان الجمعي للسوريين في العروبة والتحرر.‏

3- الخيار الواضح للدولة السورية وطنياً وقومياً شكل مانعاً ثقافياً أمام انتشار الفكر التكفيري بسبب المواقف السورية الواضحة التي تتصدر المجابهة ضد الغزوة الاستعمارية وتناصر المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان، وبالتالي،فمصادر السخط التي تثير الشباب أي نتائج وانعكاسات الهيمنة الاستعمارية الأميركية والعدوانية الإسرائيلية هي بالذات مكونات المخطط الذي تتصدى له سورية وتدفع غالياً ثمن مجابهتها له بجرأة وصلابة .‏

4- السياسة السورية تضع المسافة الفاصلة وبقوة بين التيارات الإسلامية المناضلة في المنطقة والتي ترتبط معها بعلاقات تحالف وثيقة في فلسطين ولبنان والعراق المناهضة للاحتلال الأميركي . وبالتالي فسورية حوربت بسبب دعمها لقوى اسلامية تقاتل الغزوة الأميركية - الإسرائيلية ، ولأن سياستها تضع الحد الفاصل بين المقاومة كحركة تحرر وطني وقومي وبين الإرهاب التكفيري الذي هو مشروع فتنة مستمرة تصب في خدمة المستعمر من خلال تعزيز التفتيت الذي شكل لب المخطط الاستعماري في الشرق منذ قرون وهم اعادة الاستخدام الذي يشغل العديد من دوائر القرار في المنطقة يتهاوى في الواقع وهو سيرتد على أصحابه مرة أخرى ، وليس من الغريب أن تكون سورية مقصد القوى الدولية والعربية الراغبة فعلياً في معالجة هذه المشكلة أمنياً وسياسياً ، أما الحكومات التي تعمل لتعميم الفتنة بهدف تصدير الشباب الساخط الذي جندته في مهمات مشبوهة ، فإنها لن تتخلص من هذه اللعنة إلا إذا راجعت سياساتها المولدة للسخط من خلال ما تورطت به في ركب المشروع الأميركي الفاشل وملحقه الإسرائيلي المهزوم‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية