لكن السؤال الذي يشكل بحد ذاته كابوسا مخيفا للنظام الأردني – هل باستطاعة تلك الاستعدادات الأمنية والعسكرية مهما بلغت ذروتها ودرجتها .. هل باستطاعتها وحدها إنقاذ النظام الأردني ما لم تقترن بإجراءات أخرى تتعلق بطبيعة السياسة الخارجية الأردنية التي باتت محض إشكالية بالنسبة لدول الجوار على وجه العموم .
وبالتالي هل سيتمكن الأردن من الخروج من ذلك المستنقع الذي أغرق نفسه فيه ؟ - مستنقع التبعية تارة ومستنقع الحسابات الخاطئة تارة أخرى - ..هل سيتمكن من إقفال أبوابه بوجه أعاصير الإرهاب التي تتجه نحوه ؟ ، أم أن تلك الأبواب ستبقى مقفلة الى حين يصدر أمر العمليات الصهيو-أميركي بالانتقال الى الخطة ج على اعتبار أن الخطة أ كانت في سورية والخطة ب في العراق ، أم أن تلك الأبواب اتخذ القرار بإشراعها وانتهى الأمر – هذا إذا افترضنا أن النظام الاردني كان يمتلك أصلا مفاتيح أبوابه التي أضاعتها سياساته التابعة والخاضعة للخارج .
من المؤكد أن الإجابة على تلك التساؤلات تحكيها سياسة الأردن طيلة تلك العقود الماضية والتي كانت رمادية وغامضة في عناوينها الرئيسة ومريبة في تفاصيلها وتطبيقاتها على أرض الواقع ،غير أن المشترك في تلك السياسات كان على الدوام هو تبعيتها للخارج بشقيه العربي والدولي وخاصة تبعيتها المفرطة والعمياء للولايات المتحدة وإسرائيل .
إن الاختبار الأهم الذي يقف الأردن أمامه متخبطا وعاجزا ومستصغرا هو بالبحث عن مخرج أو ربما منقذ (نبيل) ينقذه ويمد له العون دون مقابل وبلا ثمن، وهذا بالطبع بات من المستحيلات في زمن باتت فيه المصلحة هي المحرك الأساسي لسياسات الدول وأولها الأردن – اختبار قد يكون الأصعب في تاريخ الأردن الذي يجد نفسه مجبرا غير مخير على خوض غماره في ظل تعدد وتمدد الجبهات المشتعلة من حوله قبل أن يصبح هو الجبهة المرشحة للمعركة القادمة، لكن ماذا يعني ذلك ؟ ، وبشكل أوضح وأدق ماذا يتوجب على الأردن فعله قبل فوات الأوان ؟ ،خاصة وان بذور الإرهاب قد وجدت طريقها الى الأرض الأردنية التي قد تكون في المستقبل القريب التربة الأصلح والأنسب لترعرع ونمو الإرهاب – نستذكر مظاهرة معان المنددة بالنظام الأردني والمؤيدة لتنظيم داعش الذي رفعت أعلامه السوداء بكثافة في تلك المدينة .
وعلى هذا الأساس يجد الأردن الرسمي نفسه أمام خيار وحيد بعد أن كانت الخيارات المفتوحة تتراقص من حوله وبأقل الخسائر مع حفظ ماء الوجه ، فالأردن مطالب اليوم بتعطيل غرفة العمليات الأردنية الأميركية التي كانت على مدار أعوام الحرب على سورية موكلة بالتآمر على سورية عبر تقديم كل أشكال الدعم اللوجستي وما هو اكبر من اللوجستي الى المسلحين وتحويل تلك الغرفة من غرفة لرعاية الإرهاب والتآمر على سورية إلى غرفة عمليات لمكافحة الإرهاب الذي يمتد شيئا فشيئا إلى الداخل الأردني وهذا يحتاج قبل كل شئ الى خطوة جادة على طريق حسن نوايا عبر وقف كل أشكال الدعم للمسلحين سواء في الأراضي الأردنية او في الأراضي السورية لان ذلك سوف يساهم والى حد ما في تغير المزاج السوري العكر تجاه الأردن .
التحدي الأمني الأخطر أمام الأردن الرسمي ،هو كيف سيتصدى لتنظيم داعش الإرهابي الذي وضعه على خارطة الدول التي يسعى لاحتلالها ،فالأردن قبل تاريخ وضعه على أجندة الإرهابيين واعتباره الهدف القادم ، ليس كالأردن بعده فقد وصل الخطر إلى مادون القدمين، اي الى حيث لاينفع الصمت والخنوع وطأطأة الرؤوس أمام السيد الأميركي والحليف الإسرائيلي لاستجداء الحماية والمال والعرش أمام التخويف المستمر من تلك الأطراف بسرقة الوطن و بيع العرش– بعبع الوطن البديل المركون على الرف الأميركي - ، المطلوب استدارة أخلاقية قبل كل شيء يتبعها استدارة وطنية وعروبية نحو التعاطي مع ملفات وقضايا المنطقة التي تجتاحها رياح الفوضى والتآمر من كل حدب وصوب .
هل سيتفهم الأردن الرسالة جيدا ؟ وهل سيقرأ مابين سطورها ؟، أم انه سيقع مجددا في الفخ ( فخ التبعية والحسابات الخاطئة ) ، الفخ الجديد الذي يعتقد البعض أن الأردن سقط فيه هو فخ المراهنة على الدعم الإسرائيلي – تصريحات نتنياهو الأخيرة بمساعدة الأردن ودعمه في مواجهة داعش - الذي قد يدغدغ مشاعر النظام الأردني ويسكن مخاوفه الى حين ، لكن بمجرد استحضار التاريخ قريبه وبعيده فإن لحظة التخدير والانتشاء سرعان ما سوف تزول – الكيان الصهيوني لايفعل أي شيء بالمجان فالفواتير ان لم تدفع حالا فهي مؤجلة لحين الطلب عندما تحين تلك اللحظة ، لحظة حل القضية الفلسطينية على الطريقة الإسرائيلية والأميركية .