هذا الطقس الاجتماعي الجميل زادته ألقاً واندفاعا تلك الروح والفاعلية التي تتمتع بها الأسرة السورية المواظبة على المشاركة في هكذا نشاطات وألوان للترويح عن النفس واللافت أنه رعم الازدحام الشديد إلا أن النظام والالتزام بالهدوء هما سيدا الموقف ومن خلال مشاركتنا وزيارتنا شبه اليومية لهذا المكان لم نسمع أو نشهد أدنى حادثة حصلت أو حتى مشاجرة.. الكل يستمتع بالأجواء الساحرة لهذه المساحة الرائعة والنظيفة من جسم مدينة دمشق وقد يكون السبب الرئيسي لإضفاء هذه السكينة والهدوء هو توظيف حديقة تشرين بأقسام وزوايا وأركان متعددة الاستعمالات على كامل مساحتها الجغرافية وهذا بدوره يلبي رغبات وطموحات قاصدي المكان، هناك بصمة لسواعد اتحاد الطلبة بتأهيل جزء من الحديقة على شكل كراسي وطاولات مجانا للعموم وهناك بساط أخضر مخصص للسيران والافتراش على الأرض بكامل الحرية، حديقة ألعاب ينعم بها أطفالنا وأولادنا ركن مخصص لممارسة الأطفال هوايات الرسم والتلوين يفتتح في الثامنة مساء بإشراف مختصين ما يضيف لهذا الركن جمالاً ودفئاً آخر وأنت ترى الأطفال بثيابهم الزاهية توازي زهور المعرض وألوان ورش العمل الجاذبة والمغرية لعيون وأيدي الأطفال وهي تلعب وتمرح وترسم فيما الأهالي يراقبونهم من خارج السور المخصص إلى حين انتهاء فضولهم.
ولعل الفعالية الأهم التي استقطبت الشريحة الأوسع من الزوار هو الركن المخصص للمسرح الذي يكاد يمتلىء كل يوم حوالي الساعة السابعة والربع موعد تقديم العروض المسرحية والراقصة للكبار والصغار ولأكثر من لوحة ما شد الجميع على الحرص للمشاهدة اليومية لهذا الجو المنفتح والمباشر بين الزوار والقائمين على العروض الفنية من صغار وكبار، ومن تابع هذه الفعاليات يفاجأ بحجم تفاعل الأطفال الايجابي واللافت وهم يشاركون في مسرحية الكواكب السحرية والتي تحولت إلى لغز وأحجية جاوب عليها الأطفال المشاهدون لها في المساحة الدائرية للمسرح عند طرح كل سؤال من قبل سلطان المسرحية ومعاونه الذي كان يؤدي الدور بمنتهى الجاذبية والروعة ما مكن الأطفال أن يمارسوا دورهم الحواري والابداعي بشيء من التلقائية والعفوية وحرض فكرهم ومخيلتهم للاستنتاج وإطلاق الأحكام والأجوبة الصحيحة بعيداً عن الضغط والقلق كما كان للوحات الراقصة التراثية والفولكلورية المتعددة سحر خاص في الفضاء المفتوح إلى جانب الخضرة والمتعة والوجه الحسن.
وفي الأجنحة المخصصة للمشاتل والزهور الطبيعية والتزيينية والمشاركات العربية والأجنبية والتي غصت بمحبيها وزائريها تؤكد إلى حد كبير بأن عشق الطبيعة والأزاهير والورود لايدانيها عشق جمال آخر حين تحضر هكذا فعاليات فالأغاني المعبرة واللوحات الدعائية الاعلانية المترجمة بلغة بسيطة تشد العيون إلى المسارب والمداخل لاجتيازها بكل راحة وأمان وربما يكون معرض الزهور من أكثر الأنشطة التي سجلت أعلى نسبة تصوير للمكان والأفراد من بين الأنشطة الموازية فنجد الطفل والفتاة والشاب والسيدات والكهول حتى ممن لديهم إعاقات معينة، الكل يتسابق لالتقاط الصور توثيقاً للذكرى وللمكان والزمان وهكذا يبقى معرض الزهور الدولي طقساً اجتماعياً بامتياز تحرص عليه ذاكرة أجيال مدينة دمشق قلب سورية.
بالمقابل أضفى معرض السياحة الداخلية المرافق لفعاليات المعرض أيضاً فرصة وخدمة أخرى للمواطن السوري والزائر الأجنبي والعربي أن يتعرف على ما تزخر به المحافظات السورية من عادات وتقاليد وتراث تعبر عن الهوية والانتماء، وهذا استثمار جيد ومناسب لتوسيع دائرة المشاركة والمشاهدة على السواء ما يخلق جواً من الثقافة والمعرفة المتبادلة للعمق المكاني للخارطة السياحية السورية وهنا لا ننسى بالتأكيد حسن التعامل واللباقة والرعاية من قبل الأجهزة المختصة من قوى الأمن الداخلي وغيرها فكانوا أكثر من أخوة وأصدقاء وهم يساعدون الكبير والصغير وخاصة الأطفال حين يتيهون في ممرات المعرض إضافة إلى جملة الخدمات العامة التي تقدمها الإدارة العامة لمعرض الزهور.
أخيراً: أضحى معرض الزهور الدولي عرس دمشق السنوي حيث تجدد هذه المحافظة شبابها بارتدائها الألوان الخضراء الزاهية ويشاركها الفرح دول ومؤسسات ومشاتل وأزاهير طبيعية وتزيينية قدمت من آلاف الأميال من دول شقيقة وصديقة قدمت إلى حدائق دمشق عبر وزارات زراعية مختصة وجمعيات ومؤسسات ومشاتل خاصة فيها من الابداع والجمال ورحابة الصدر وعشق المسافات الشيء الكثير لأن رسائل الورد لغة موطنها كامل الكرة الأرضية يفهمها عشاق العالم على وجه الخصوص وإن كان عطر دمشق الأكثر انبعاثاً على الدوام.