تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تداعيات الملف الأفغاني بعد استقالة ماكريستال

دراسات
الأحد 4-7-2010م
د. محمد البطل

في أحداث «تطور» تؤشر إليه الحالة الأفغانية بتعقيداتها، أقدم البنتاغون الأمريكي والبيت الأبيض ومؤسسة الرئاسة ، وبضمنها الرئيس باراك أوباما، على إقالة الجنرال ستانلي ماكريستال من مهماته قائداً لقوات حلف شمال الأطلسي ،

وتالياً لقوات «إيساف» الدولية العاملة في أفغانستان ،وتعيين قائد القيادة المركزية في منطقة الشرق الأوسط ديفيد بترايوس خلفاً له. ويأتي هذا التغيير في أوضاع أفغانية غير صحية وخسائر جسيمة تعرضت لها قوات الاحتلال في شهر حزيران الذي وصفه المراقبون بالشهر الدامي.‏

إقالة الجنرال ماكريستال تأتي بعيد انتقادات وجهها للإدارة الأمريكية وبضمنها مؤسسة الرئاسة والرئيس شخصياً، تناقلتها وسائل الإعلام وبخاصة الأمريكية ، وأشار فيها إلى صعوبات الوضع القائم في أفغانستان، وإلى عدم قدرة قواته على «ضبط» الأوضاع فيها، وإحلال الأمن والاستقرار كذلك إلى عدم فعالية زيادة عديد القوات الأطلسية، وبخاصة الأمريكية في حل المعضلة الأفغانية القائمة، و صعوباتها المستقبلية أيضاً.‏

هذه التصريحات ، على أهميتها القصوى، الصادرة عن المسؤول العسكري -الأطلسي الأول في أفغانستان، استوجبت استدعاءه إلى واشنطن ومقابلته وزير الدفاع الأمريكي، روبرت غيتس ، ومثوله أمام لجنة الدفاع في الكونغرس ثم مقابلة خاصة مع الرئيس أوباما، أسفرت عن إقالته من مهماته وتعيين بتراويس خلفاً له وقائداً للقوات الأطلسية والدولية هناك .‏

تجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التغيير يأتي بعيد حملة إيساف، غير الناجحة، في إقليم هلمند الجنوبي، الذي يعد واحداً من معاقل حركة المعارضة الأفغانية وفي الصدارة منها حركة طالبان، وقبيل التحضير لحملة مماثلة ، قد لا تكون ناجحة أيضاً، على إقليم قندهار المعقل الرئيس لحركة طالبان .‏

وتأتي هذه الإقالة التي «احترمها» ماكريستال بقوله إنه يحترم قرار الرئيس والبنتاغون في ظل أوضاع قوات الاحتلال غير المريحة، وخاصة بعيد زيادة الوفد البريطاني الرفيع المستوى مؤخراً إلى أفغانستان ، وإعلانه عن ضرورة جدولة انسحاب قوات بلاده من أفغانستان وتسليم المهمات الأمنية في البلاد لحكومة حامد كرزاي، كما أنها تأتي بعيد انعقاد الـ « لوياجيرغا» الأفغاني وتجديد دعوته إلى الحوار مع حركة طالبان وقياداتها «المعتدلة» بهدف الوصول إلى إنهاء للصراع العسكري الدائر منذ عام 2001، والذي أفضى ، حتى تاريخه، إلى سيطرة عملية للمعارضة المسلحة على مناطق مختلفة من البلاد، وصولاً إلى هجمات وتفجيرات متكررة في العاصمة كابول. هذا في الوقت الذي تتقدم فيه سلطة نظام كابول في المناطق الحدودية وخاصة الشرقية والجنوبية والغربية، وتعاني أيضاً من خلافات في تركيبتها القيادية التشريعية والتنفيذية ، وتعرضت ولا تزال لانتقادات أمريكية وغربية لحالة الخلافات والفساد المستشري في هيئاتها القيادية .‏

في ظل هذه الأوضاع البالغة التعقيد أفغانياً واحتلالياً، ينظر باهتمام خاص إلى تغيير المسؤول العسكري الأول في أفغانستان ، وتبعاته، ولاسيما بعد الانتقادات التي وجهها ماكريستال إلى آلية عمل هذه القوات، وتالياً قدرتها على حسم الصراع عسكرياً.‏

فالاستقالة أو الإقالة تحمل في طياتها العديد من الملاحظات بدءاً من جهوزية هذه القوات وقدرتها على التعامل مع الصعوبات والاشكاليات التي تواجهها في أفغانستان، مروراً بتعقيدات الحالة الأفغانية التي تزداد صعوبة يوماً بعد يوم، إلى استمرار رفض حركة طالبان «مجرد» الحوار مع حكومة كرزاي قبيل رحيل قوات الاحتلال، وفتح ملف «الاصلاحات» الدستورية التي تطالب حركة طالبان بالمشاركة في إعدادها، وهذا ما يهدد بقاء حكومة كرزاي عملياً، أو إمساكها بالأوضاع الأفغانية في ظل وجود قوات الاحتلال، وازدياد صعوبتها بعيد مغادرة هذه القوات «المفترضة» أو أغلبيتها على الأقل.‏

إذ لم تنجح قمم دول حلف الأطلسي، حتى تاريخه، في زيادة فعلية لعديد قوات الحلف في أفغانستان بل ازدادت مطالب دول رئيسية فيه بالانسحاب من أفغانستان أو جدولتها زمنياً على الأقل.‏

إقالة، أم استقالة القيادي العسكري الأول لقوات الاحتلال ، الذي وجه ملاحظات علنية حول تعقيدات الحالة الأفغانية، وتغييره لن يحل الاشكالية الأساس،رغم تأكيد القيادة الأمريكية العسكرية والسياسية أن استبدال الأشخاص لن يؤثر في استراتيجية عمل القوات العاملة في أفغانستان، وجوهر مهماتها، كما صرح بذلك أيضاً فوغ راسموسن قائد قوات حلف شمال الأطلسي، بأن قواته باقية هناك حتى انجاز مهماتها!!‏

هذا في الوقت الذي أعلن فيه بترايوس فور تسلمه مهامه عن دعمه لحظة الإدارة الأمريكية بدء انسحاب قواتها من أفغانستان في تموز عام 2011!!‏

إقالة، أم استقالة تستحق الوقوف أمامها بجدية، وباهتمام خاص، فهي تؤشر إلى تعقيد جديد، في الحد الأدنى، يضاف بدوره إلى تعقيدات الحالة الأفغانية وتداعياتها، وخاصة على الدول المهمومة والمنشغلة بالملف الأفغاني، وفي الصدارة الأطلسي وأمريكا أولاً. فضلاً عن تبعات هذا الملف وصعوباته على دول الجوار الأفغاني أيضاً.‏

باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net.org

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية