تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شعب أبكم يدفع ثمن صمته

هآرتس
ترجمة
الأحد 4-7-2010م
ترجمة: ليندا سكوتي

لو أن شخصاً واحداً في «إسرائيل» اعتقد بأن الرأي العام الإسرائيلي مصاب بالبكم فإن هذا الشخص بلا ريب هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وقد يكون هذا القول في محله بعد أن شاهدناه مصراً بقوله للإسرائيليين

منذ عدة سنوات إن حصار قطاع غزة أمر تتطلبه الضرورات الأمنية ويحقق المصلحة للبلاد، بينما نجده اليوم يقول بما يخالف تماماً ما قاله بالأمس، ليعلن رفع الحصار يصب في المصلحة الإسرائيلية ويعتبر الوسيلة لإضعاف حماس والضمانة لإطلاق سراح جلعاد شاليط، وإنه عندما يخاطب الشعب بأقوال متناقضة، ولا يجد منهم سوى الصمت المطبق فلا شك أنه سيصبح على قناعة بأن هذا الشعب مصاب بالبكم.‏

لقد قابل الشعب الإسرائيلي آراء نتنياهو التي أدلى بها في السابق بالتأييد المشوب باللامبالاة، لكن نتنياهو مالبث أن تحول إلى آراء وأفكار متناقضة كما هو دأبه. وفي الحالتين، كان رئيس الحكومة يعتقد أنه على صواب فيما توصل إليه من رأي. وفي هذا السياق، نذكر ما أفضت إليه حادثة السفينة التركية من تعليق جزئي للحصار على غزة، ونؤكد عبارة بشكل جزئي لأن معابرها مازالت مغلقة أمام بعض البضائع والسلع، ،مازال مليون ونصف المليون مواطن يعيشون في سجن كبير مفتوح، الأمر الذي أكد لنا أننا لانعيش في (دولة) يتمكن فيها الرأي العام من فرض آرائه على الحكومة التي يتعين عليها إصدار القرارات المناسبة استجابة لمطالبه، وإنما نعيش في (دولة) كأنها تخضع للحراسة القضائية وتنتظر التوجيهات من الخارج لإصدار قراراتها السياسية.‏

ويؤكد هذا الواقع ما ورد بخطاب رئيس الحكومة في جامعة بار - آلان، وكلمته التي ألقاها بإعلان تجميد البناء في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، وثم انصياعه لتشكيل لجنة تحقيق في قضية أسطول المساعدات، وتخفيف الحصار، وجميع تلك الإجراءات كانت مصنعة ومستوردة من الولايات المتحدة. وبتقديرنا إنه حتى مصير حديقة الملك (البستان) في حي سلوان التابع للقدس الشرقية لن يقرر إلا بعد توجيه من وزارة الخارجية الأمريكية.‏

إزاء ما تقدم فإن أولئك الأشخاص الذين أبدوا تذمرهم ممن توجهوا إلى أطراف خارجية ليستعينوا بها في إجراء تغيير في الداخل بالتعاون مع جهات دولية والذين ينظر إليهم البعض بأنهم خونة عليهم أن يعلموا أن «إسرائيل» عبر تصرفاتها اليومية تؤكد لنا أنه حتى مصيرها سيقرر من خارج حدودها.‏

مرة أخرى أثبتت «إسرائيل» أنها لا تفهم سوى لغة القوة، لأنه كان من الأفضل لها رفع الحصار منذ أمد بعيد، وعندها سيعتبر هذا التصرف مبادرة إسرائيلية شجاعة جاءت تلبية للاحتياجات الإنسانية لأهالي غزة، وتعبر عن حسن نواياها، وبهذا الأسلوب كان بإمكانها أن تكسب ثقة الرأي العام العالمي والشعب الفلسطيني. لكننا مضينا برفض تخفيف الحصار إلى أن وجدنا من يجبرنا على تنفيذ ذلك، بعد ضغط من الولايات المتحدة، الأمر الذي يؤكد أن قراراتنا تصدر بتوجيه من الخارج وليس من دور «لإسرائيل» سوى الانصياع لها. وكأننا نبعث برسالة إلى الأصدقاء والأعداء إننا لن نغير توجهاتنا إلا إذا فرضت علينا بالقوة، وبالقوة وحدها. وهذا يعني أننا سنخفف العقوبات ونسمح بمواد أخرى كلما شاهدنا سفناً محملة بالمساعدات قادمة إلى غزة أو تطلق علينا صواريخ القسام التي تذكرنا بوجود غزة. وعلينا أن نعلم أنه في اليوم الذي يقرر به رئيس الولايات المتحدة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي فإن هذا الاحتلال سينتهي حتماً.‏

يبدو أن الشعب ما زال يثق بما يقوله رئيس الحكومة وكأنه لم يسبق له أن قال سوى الحقيقة، علماً أن نتنياهو لم يطلعنا على ما يدور في خلده أو ما يسعى إلى تحقيقه أو يعلمنا عن موقفه الفعلي من الحصار سواء بالأمس أم اليوم، الأمر الذي جعلنا نتساءل فيما إذا كان هذا الحصار ضرورياً ونافعاً أم إنه سيئ وضار بمصلحة «إسرائيل»؟ ولم نجد جواباً شافياً لتساؤلنا هذا لأنه يطلب منه أي إسرائيلي هذا التوضيح وإن كل ما ترامى إلينا قد اقتصر على بذله كل الجهد لاسترضاء واشنطن.‏

شعبنا مصاب بالبكم، وليعذرني الجميع عن استخدام هذا الوصف، ذلك لأن ما شهدته يؤكد هذا الواقع. إذ إن أي قرار سياسي تصدره الحكومة لا يلقى أي معارضة من أحد حيث نجده بالأمس مؤيداً للحصار ثم يؤيد رفعه، وسبق للحكومة أن أعلمتنا بأنه ليس ثمة حصار مطبق على غزة، واليوم تقول للشعب إن الحصار قد تم رفعه. كل تلك الأمور تحدث دون اعتراض أو احتجاج منا، وكأننا غارقون في بحر عميق من اللامبالاة، أو أننا في غيبوبة طويلة الأمد.‏

هل يمكن أن تسوء الأمور أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن؟ بتقديرنا «نعم» ستسير الأمور من سيئ إلى أسوأ، إذ عندما نعود بالذاكرة إلى فترات انقضت حيث كانت لدينا معارضة فعليه وخيارات متباينة على النقيض من الوقت الحاضر كنا نشهد حوارات ونقاشات أيديولوجية، وكانت ثمة احتجاجات مدنية تحصل لا مثيل لها في الوقت الحاضر. لكن الجيل القادم قد فاته مشاهدة مثل تلك الأحداث بأم عينه واقتصرت معلوماته على مايرد بالصحف التي يقرؤها في القطارات والحافلات أو مايتلقاه من أجهزة التلفاز، أما أن يطالب القادة بتحمل مسؤولياتهم والسياسيين بقول الحقيقة فإنه سيبدو قولاً مضى عليه الزمن وأصبح في مزبلة التاريخ.‏

غالباً ماتأتي التصرفات الجيدة كبديل عن التصرفات السيئة، وفق مانشهده في الوقت الحاضر من عبور الشاحنات المحملة بالسلع إلى غزة بعد أمد طويل من الحصار، الأمر الذي جعلنا نتفاءل بزوال الحصار الفكري الذي خلقناه لأنفسنا، وعلى الرغم ما يكتنفنا من شعور بفقدان الأمل، لكن مع ذلك نشكر نتنياهو على ما دأب عليه من خداع وحيل لأنه جعلنا في النهاية نتساءل إلى أين نحن نسير ولماذا؟.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية