لقبول شروط المقاومة في إتمام هذه الصفقة ،إذ تفجر سجال حاد حول جدوى هذا التعنت ، عندما انضم عدد من جنرالات جيش الاحتلال وبعض قادة الأجهزة الأمنية بمطالبة نتنياهو بالرضوخ لشروط «حماس» للإطلاق سراح أسرى فلسطينيين وعرب والتوقيع على صفقة تبادل الأسرى مع الحركة.ويذكر ان عائلة الأسير المذكوراطلقت بمناسبة مرور أربعة سنوات على أسره مسيرة كبيرة بدأت من بيته في الجليل تستمر اثني عشر يوما متواصلا وتنهي أمام بيت نتنياهو وسط ازدياد المطالب بإتمام الصفقة بحسب شروط المقاومة ، لاسيما وان استطلاعا أجرته معاريف يبين ان72 في المائة من المستطلعة أرائهم أجابوا بان حكومة اسرائيل مذنبة أكثر من حماس في أن شاليط لا يزال في الأسر،كما يؤيد ذلك الجيش وجنرالاته السابقون واللاحقون، بدعوى «نحن أرسلنا شاليط إلى المعركة وعلينا ضمان عودته سالما لأهله، حتى يدرك كل جندي أن قيادته تحرص عليه «وفي الوقت نفسه هناك قادة بارزون يرفضون أن ترضخ إسرائيل ويطالبون بإدارة هذه المعركة مع «حماس» بطريقة أخرى.
الإخفاق في إدارة المعركة
ابرز المطالبين بالاستجابة لمطالب المقاومة هو افرايم هليفي رئيس الموساد السابق بحسب ما كتبه في يديعوت احرنوت :» ليس صحيحا أو مناسبا أن من ليسوا على علم او معرفة بتفاصيل المفاوضات بين اسرائيل وحماس في موضوع جلعاد شاليط، سيزعجون من يقومون بالمهمة الصعبة والمحملة بالجميل هذه. فقط على حجة واحدة ووحيدة بودي أن أركز، وهي تتعلق بالأقوال المتكررة ان تحرير قتلة بالمزايا والعدد الذي تطالب بهم حماس يطرح، ضمن أمور أخرى، تهديدا أمنيا جسيما على إسرائيل.
وصرح بدوره وزير الحرب ورئيس أركان الجيش السابق شاؤول موفاز، إن حكومات إسرائيل، بما في ذلك الحكومات التي شارك فيها، فشلت فشلا ذريعا في إدارة المعركة من أجل إطلاق شاليط ومن يفشل يجب أن يدفع ثمن أخطائه، ولذلك فلابد من دفع الثمن الآن من أجل إعادة شاليط. في حين اتهم وزير الحرب السابق عمير بيرتس نتنياهو وحكومته بتعطيل الصفقه قائلا :«لقد قلت من اليوم الأول أنه يجب إبرام صفقة مع «حماس» لإطلاق شاليط. وقال إنه لو أخذت حكومة إيهود أولمرت برأيه، لكان ثمن إطلاق شاليط في حينه أهون بكثير من الثمن الذي تطلبه».
في مقابل ذلك هناك من يرفض مطالب المقاومة ويذهب البعض منهم لوضع خطة عسكرية لما اسماه تحرير شاليط كما يطالب الجنرال عوزي ديان رئيس مجلس الأمن القومي السابق ونائب الرئيس الأسبق لرئيس أركان الجيش الاسرائيلي بوضع خطة عسكرية لإطلاق سراح شاليط بالقوة «حتى تفهم حماس أنها ستدفع ثمنا باهظا على تعنتها»وكذلك رئيس قسم الأسرى السابق في «موساد» اليعيزر بيك، الذي قال إن المغامرة في محاولة إطلاق سراح شاليط تظل أهون على إسرائيل من إطلاق سراح ألف أسير فلسطيني نصفهم يتوقع أن يعود إلى ممارسة الإرهاب.
وانضم إلى هؤلاء وزير المالية يوفال شتاينتس، الذي صرح بأن على الحكومة ألا ترضخ لضغوط الشارع في القضايا المصيرية. وأضاف في ندوة سياسية في بئر السبع، أنه لو كان مكان عائلة شاليط لما تصرف على نحو آخر ولأقام الدنيا ولم يقعدها من أجل إطلاق سراح ابنه. ولكنه رفض في الوقت نفسه أن يكون موقف عائلة شاليط حاسما في حسابات الحكومة «يوجد قلب لنا كلنا - قال - ولكن القرار يجب أن يأتي من الرأس».
سيناريو الصفقة
وكشف ألوف بن في صحيفة هارتس عن فحوى الصيغة التي تم التوصل اليها لإتمام الصفقة في عهد رئيس الوزراء السابق اولمرت والتي تراجع عنها نتنياهو:«الصيغة العامة للصفقة تمت بلورتها منذ عهد رئيس الوزراء السابق ايهود اولمرت بوساطة مصرية. وحسب الصيغة، ستحرر اسرائيل مقابل شليت 450 سجينا من قائمة بلورتها حماس. وبعد شهرين من التبادل، تحرر اسرائيل 550 سجينا آخر حسب اختيارها هي. وفي نهاية عهد اولمرت، في محادثات غير مباشرة جرت في القاهرة، وافقت اسرائيل على تحرير 325 سجينا من اصل 450 في قائمة حماس – ورفضت تحرير 125 آخرين. وكان نتنياهو عين هداس ممثلا خاصا له في المفاوضات. وتعززت الوساطة المصرية بوساطة ألمانية، وفي تشرين الأول اتخذت «خطوات بناء ثقة» حماس نقلت الى اسرائيل شريط فيديو عن الأسير وبالمقابل تحررت 20 سجينة فلسطينية.بين اسرائيل وحماس تبقت على حالها الخلافات حول تحرير عشرات السجناء «الثقيلين» وحول المطلب الاسرائيلي بإبعاد معظم السجناء المقيمين في الضفة الغربية».
في مقابل ذلك نشرت يديعوت احرنوت ما تعتبره «خطوطا حمراء» وضعها نتنياهو لمعاودة المفاوضات حول إتمام الصفقة ونشرت أسماء وصور خمسين أسيرا تقول ان الحكومة الاسرائيلية ترفض طلاق سراحهم :» في أثناء المفاوضات طرحت الحكومة أيضا خطوطا حمراء. فإسرائيل ترفض بشدة تحرير كبار (المخربين): سجناء قتلوا أكثر من 10 إسرائيليين، وبينهم المسؤولون عن العمليات في مقهيي «مومنت» و «هيلل» في القدس وفندق «بارك» في نتانيا. كما ترفض اسرائيل تحرير ما تسميهم «مخربين» أصبحوا رموزا في أثناء الانتفاضة، ومنهم مروان البرغوثي، آمنة منى ، عباس السيد (مخطط العملية في فندق «بارك») وعبدالله البرغوثي (كبير حماس الذي حكم 67 مؤبداً). إضافة الى ذلك، فان اسرائيل لا توافق على تحرير مخربين هم مواطنون إسرائيليون.
ونقلت هآرتس في مقابلة أجرتها عميرة هيس مع نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الدولي في اسرائيل والمناطق الفلسطينية بيير دورف، والذى تطرق لطبيعة نشاط الصليب الأحمر في «المناطق» وكذلك في اسرائيل.وأكد دورف أن عدد الأسيرات والأسرى السياسيين الفلسطينيين فى السجون الاسرائيلية هم 6566 أسير وأسيرة منهم 218 معتقلا إداريا ، و 806 أسير من قطاع غزة لم يزوروا منذ ثلاث سنوات متتالية .وشككت مصادر فلسطينية تعنى بشؤون الأسرى بهذه الإحصائية مؤكدة ان سلطات الاحتلال لاتزال تحتفظ بنحو سبعة ألاف أسير وأسيرة موزعين على ستة وعشرين معتقلا وسجنا ومركز توقيف وتحقيق ، ضمن ظروف اعتقالية تفتقر للحد الأدنى من الشروط التي تليق بالإنسان ، وخاصة بعد ان صادق الكنيست الصهيوني على ما سمي بقانون شاليط حيث أعادت سلطة السجون العامة أوضاعهم الى تلك الأوضاع التي تشبه سنوات الستينات والسبعينات من القرن الماضي من حيث الرعاية الصحية المعدومة والعزل الفردي والجماعي ومنعهم من زيارة ذويهم وعمليات التفتيش الليلية والضغط النفسي المستمر والتعتيم الإعلامي في محاولة لعزلهم عن العالم الخارجي ناهيك عن جميع أشكال التعذيب المادي والنفسي التي تمارس ضدهم خلال فترة التحقيق.
تعنت نتنياهو ليس له معنى
تحليلات الصحف الاسرائيلية أجمعت على فشل حكومة نتنياهو بمعالجة قضية شاليط ، فقد ارتأت بعض هذه التحليلات ان تعنت نتنياهو حول شروط لن تقبلها حماس لم يعد له معنى فيما ذهبت تحليلات أخرى للقول ان الحكومة الاسرائيلية سوف ترضخ في نهاية المطاف لشروط حماس.
وتحت عنوان «صفقة الان» كتبت هارتس في افتتاحيتها :«الجمهور الاسرائيلي ليس أعمى عن الخطر الذي ينطوي عليه تحرير سجناء خطيرين، او عن السياسة الفاشلة لحكومته. صحيح انه لم يُسأل إلا انه يبدو انه لا يؤمن بان تحرير 45 سجينا، مهما كانوا خطرين، سيحدث خطرا وجوديا او كبيرا اكثر من الضرر الذي لحق بإسرائيل حتى الان. يبدو أنه كلما أخرت اسرائيل تحرير شاليط، يتعاظم الضرر الذي يلحق بها. الصفقة يجب استكمالها من اجل تحرير شاليط من أسره فوراً».
وكتب افرايم هليفي في يديعوت احرنوت يقول :«الحجة في أن تحرير 40 سجينا خطيرا من السجن في اسرائيل سيطرح أمام اسرائيل تهديدا ستجد صعوبة في التصدي له يشرخ صورة التهديد التي نطرحها أمام الإرهاب الفلسطيني ويرسم صورة اسرائيل ضعيفة لدرجة عدم قدرتها على التصدي لأربعين سجينا خطيرا معروفين ومشخصين سيتجولون في ارجاء ألضفة الغربية يهودا والسامرة. قول هذا معناه ان ليس بوسع الجيش الاسرائيلي وجهاز الأمن وباقي محافل الأمن معالجة الإرهابيين المحررين وليس في يد شركائنا في السلطة الفلسطينية الرغبة او القدرة على تنفيذ مسؤولياتهم في الملاحقة الثابتة والناجعة. أعتقد انه صحيح تفعل الحكومة اذا ما سحبت هذه الحجة، التي تطلق إشارة ضعف لدرجة التهديد الاستراتيجي على اسرائيل. اذا وصلت الحكومة الى الاستنتاج بأنه صحيح تنفيذ صفقة مع حماس، لا ينبغي لها ان ترفض تحرير السجناء الخطرين لاعتبارات أمنية.
هل أصبحنا ضعفاء
وفي السياق نفسه كتب باروخ ليشم في يديعوت ايضا :«ماذا، أيحتمل ألا يكون مواطنو اسرائيل يفهمون المعادلة البسيطة التي يذكرها لنا نتنياهو منذ أكثر من سنة في خطاباته: الصفقة معناها الاستسلام؟ إذ ما الذي ليس واضحا هنا؟ موافقة اسرائيلية على مطالب حماس لتحرير مخربين مع دم على الأيدي ستمس بقدرة الردع الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه منظمات الإرهاب ودول الإرهاب، التي هي محور الشر المعروف. غداً ستعرف كل أم فلسطينية، بان ابنها الذي ينطلق للقيام بعملية ضد اليهود سيحرر يوماً في الصفقة التالية. هل الإسرائيليون، الذين هم، أبناؤهم وأحفادهم شهدوا في عشرات سنوات الحرب والإرهاب وآلاف الجنود والمواطنين ممن لن يعودوا أبدا الى بيوتهم، أصبحوا ضعفاء يذرفون الدموع في ضوء جندي واحد يوجد في الأسر؟
وتحت عنوان لاتعظوا انتصارا لحماس كتب مناحيم بن في معاريف :»اليوم الذي يتحرر فيه جلعاد شاليط مقابل ألف سجين فلسطيني سيكون يوم فرح في قسم منه فقط. في أساسه سيكون يوم باعث جدا على الاكتئاب، اليوم الذي تحتفل فيه حماس والإسلام المتطرف بأسره بنصرهم، والناطقون بلسانهم سيعلنون على الفور بأنهم سيختطفون المزيد من الجنود كي يحرروا باقي السجناء الخطرين الفلسطينيين».