واقترابها من حالة الافلاس والتي تدفع هذه الدول مرغمة على البدء باتخاذ اجراءات تقشفية قاسية، ابرزها تقليص النفقات المخصصة للاحتياجات الاجتماعية، تخفيض رواتب المتقاعدين والأجور، رفع الضرائب على دخل العاملين الخ.
حان الوقت لتعلم كيفية الصحوة من سكرة الديون التي دوخت السياسيين والزعماء والخبراء الاقتصاديين في وقت واحد معاً واستخدام مصطلح الصحوة بعد السكرة ليس مصادفة في الحالة الراهنة للاقتصاد العالمي، فالاقتصاديون ومنذ زمن طويل يشبهون الديون بالخمر نظراً لتأثيرهما المتشابه على العقول، واسلوب التعاطي معهما فعندما يتناول المرء كأساً من الخمر، يشرب الأخرى والثالثة والرابعة ليصبح مدمناً وهكذا عندما تبدأ الدول باللجوء الى استقراض الديون لحل مشكلاتها الاقتصادية تدمن على الديون لتصل الى حالة فقدان القدرة على سداد هذه الديون فتقع الأزمة، وعندئذ تصبح الصحوة لابد منها وإلا السقوط في الهاوية، وهكذا حدثت أزمة 2008 و2009 ومازالت تداعياتها ماثلة بكل قسوة وخطورة أمام السياسيين والاقتصاديين الذين قرروا مواجهتها علناً في قمة تورنتو ولكن المواجهة لا تعني الحلول للأزمة وانما الاعتراف بأسبابها الفعلية ولو لم يكن ذلك بكل صراحة، لأن الصراحة هنا تشكل بحد ذاتها إدانة لبنية الانظمة التي يمثلونها
، لذلك جل ما قرروا اتخاذه هو نفس الاسلوب الذي اتبعوه منذ بدء استفحال الأزمة وهو تغيير هيكلية نفقات الحكومات الاجتماعية ومنظومة العولمة المالية والانتقال الى منظومات جديدة، آملاً في أن تساعد في تخفيف وطأة الأزمة على المجتمع لتلافي امكانية الانفجار ولم يجدوا إلا أسلوباً وحيداً هو تخفيض النفقات ولكنهم لم يجدوا كيف وفي أي قطاعات ينبغي التخفيض؟! ولم يجدوا في بعض المراكز الرأسمالية سوى الاعتماد على النفط والغاز، ولكن هل سيساعد ذلك بوضع حد للتدهور الاقتصادي؟ حتى الان لا شيء واضحاً.
فروسيا على سبيل المثال بلغت ديونها المستحقة للمؤسسات المالية العالمية للعام 2010 حسب تقديرات معهد غلوبال في واشنطن نحو 71٪ من مجموع دخلها.
ولكن في طليعة المديونات العالمية تقف اليابان البالغ دينها الخارجي 471٪ ويأتي بعدها بالتسلسل بريطانيا 466٪ ، اسبانيا 366، فرنسا 322٪ المانيا 286٪ أما الولايات المتحدة فإن ما يترتب عليها من ديون خارجية تبلغ مئات المليارات من الدولارات ولم تعلن النسبة بكل وضوح والنسبة المئوية هنا تعني المقارنة بين ما يترتب على الدولة من ديون خارجية مع مجمل انتاجها الوطني، والأرقام هنا تتكلم بنفسها حول فداحة العجز الكبير الذي تعاني منه جميع الدول الرأسمالية الكبرى في الواقع.
وحتى الآن رغم ضخامة هذه النسب فإن ايجاد الحلول مازال متاحاً، لكونها لم تصل الى مرحلة اللاعودة أو مرحلة العجز الكامل عن الحل.
وهذه الوضعية وصلت اليها اليونان واسبانيا تقريباً، ولكن الوضع الأكثر خطورة وضع ايسلندا التي وصلت نسبة ديونها الخارجية الى 1200٪ وايرلندا 700٪ وهناك دول أخرى أقل مديونية ولم تصل الى حد الأزمة المستعصية ولكن أخطر واعمق أزمة تعاني منها في الواقع هي الولايات المتحدة الأميركية رعم دخلها العالي جداً.
ولكن للمقارنة نقول : إن نسبة الربح للدولار الواحد كان في عام 1960 نحو 90 سنتاً فإن هذه النسبة في عام 2010 بلغت 10 سنتات فقط.
وحتى هذه النسبة الضئيلة بدأت تختفي، وتوصل الجميع في تورنتو الى اتفاق مبدئي وهو أن الجميع يعاني من العجز والأزمة وعلى كل دولة أن تختار الطريق الذي تراه مناسباً لها للخروج من أزمتها.
والمشكلة أن سداد الديون الثقيلة وخاصة في الدول الرأسمالية الكبرى في أوروبا وأمريكا واليابان أخذت تقصها من ميزانيات المستقبل حتى عام 2030 بمعنى أنه اذا كانت الدول سابقاً تسدد ديون عام 2000 في عام 2010 فإنها اليوم مضطرة لسداد الديون الراهنة من المخصصات المالية على امتداد السنوات حتى عام 2030 مما يعني مصادرة التنمية والتطور وتراكم العجوز اللانهائي.