الصيــن وطمــوح القـوة العظمـى
شؤون سياسية الأثنين 11-5-2009م محمد كشك في أعقاب الأزمة المالية العالمية صرح رئيس الوزراء الصيني لمجلة نيوزويك قائلاً: ينبغي لنا أن نتعاون في هذا الشأن ولطالما قدمت الصين يد العون لأميركا ولا سيما في أوقات عصيبة كهذه،
وإننا نرى أن هذا العون سيساهم في استقرار الاقتصاد العالمي برمته ومؤسساته المالية، علاوة على الحيلولة دون وقوع فوضى عارمة لذا أرى اليوم أن التعاون هو السبيل الوحيد أمامنا.
ويرى بعض المعلقين في التصريح دليلاً على تحالف فكري بين المؤمنين بالرأسمالية، لكن الصين لا تسعى إلا إلى الدفاع عن مصالحها، فقد أردف رئيس الوزراء قائلاً: إذا أصيب أي جانب في القطاع المالي الأميركي بسوء فإن القلق سيراودنا بشأن رأس المال الصيني وهذا رأي صحيح على المستوى الخارجي. نظراً إلى أن الانهيار المالي لم تستثن منه ممتلكات الصين الخارجية، وعلى المستوى الداخلي أيضاً لقد أتاحت أذونات الخزانة من الصين للولايات المتحدة تمويل جوانب العجز فيها واقتراض الأموال لشراء البضائع الصينية الرخيصة لكن الصين بدورها تحظى بأكبر احتياطي عالمي من الدولار، إذ يقدر بنحو تريليوني دولار وهو ما يربو على ثلثي اجمالي الناتج السنوي للبلاد، وإذا قدر للعاصفة الحالية أن تعصف بالنظام المالي الأميركي وتعويم قيمة الدولار فإن الاحتياطي الصيني سيؤول إلى الدمار وفي هذا سبب آخر دفع الصين للتعاون مع أميركا، وهذا الاعتماد المتبادل يشمل اليابان التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث احتياطي الدولار كما يشمل روسيا التي تحل في المرتبة الثالثة، هذه التركة الثقيلة التي خلفها الدور الخاص الذي لعبه الدولار في التجارة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية عام 1945، وتجدر الإشارة إلى أن نحو 60٪ من التجارة الصينية تجري مع دول آسيوية وهو ما يعني الاضرار بجهود التنمية في الصين في حال انهيار العالم المتقدم، غير أن بعض الدول الآسيوية تظل بمنأى عن التباطؤ الاقتصادي، فاليابان على شفا الركود فيما تعاني كوريا الجنوبية اقتصاديا، أما الهند فليست بحال أفضل من سابقاتها، كما أن ما يقرب من نصف التجارة بين الدول الآسيوية ينتهي إلى أسواق مجموعة الثلث، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وهذا ما يستلزم حينها تنمية أسواقها الداخلية. وتعاملاً مع مظاهر التفاوت بين المدينة والريف من الارتفاع في أسعار الغذاء رفع دخول المزارعين بنسبة 17٪ هذا الارتفاع لم يكن له أثر نظراً إلى أن الأسر آثرت ادخار فائض دخولها للعلاج أو لخير المعاش (تسجل الصين أعلى معدلات الادخار في العالم)، وكما يتوقع أن تحقق البلاد معدل نحو 90٪ هذا العام وتواجه الصين تحديات عوامل الفقر وعدم الرضا في الأوساط الريفية وانعدام التنبؤ بالمصير السياسي للطبقة الوسطى، أما على الصعيد الخارجي فقد أعادت الصين بعض أرباحها من افريقيا في صورة قروض متجاهلة الشروط الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد علاوة على ذلك أبرمت الصين اتفاقيات تجارية لضمان احتياجاتها من الطاقة مع فنزويلا وروسيا والعراق وايران، كما فتحت منافذ تجارية جديدة كاليابان والهند وتدعم الصين فكرة إنشاء صندوق نقد آسيوي، تحت تصرف هذا الصندوق 70 مليار دولار، ما يتيح لمنشئيه الثلاثة والأعضاء العشرة الممثلين في اتحاد دول جنوب شرقي آسيا ضمان الاستقرار المالي دون الحاجة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، وثمة حراك عالمي يرنو إلى الخروج من مظلة الدولار كالأرجنتين والبرازيل وبوليفيا والاكوادور وأرغواي وفنزويلا، وقد اتفقت كل من الأرجنتين والبرازيل على تقديم مدفوعات على التبادل بالعملة المحلية لتطويق التعامل بالدولار فيما دخلت البرازيل وروسيا والهند والصين في تكتل جديد غير رسمي تحت مسمى «بريك».
وما نخلص إليه أن الصين أعلنت إقراض الولايات المتحدة مشروطة بتبني الأخيرة نهجاً محدداً تجاه انقاذ البنوك، أي استخدام الأموال الحكومية في إعادة هيكلة رؤوس أموال البنوك، أما الشرط الثاني فسيتعلق بمشكلات الحماية الاجتماعية التي أصبحت معلماً قياسياً من معالم برامج التوجيه التي ينتهجها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهذا الحراك هل سيرفع وضع الصين كقوة عظمى تنهض بمسؤولياتها؟!
|