والوضع في المنطقة يغلي وبرميل البارود على النار، والمرحلة المقبلة هي الأكثر خطورة لأنها الهجمة الأخيرة لتنفيذ المخطط الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية، وفي هذه الأيام العصيبة يحتاج العرب إلى الموقف التضامني الحقيقي، لأن الظروف الحالية مهيأة بكل احتمالات التفجير، واحتمالات المواجهة مع إسرائيل والتي تستلزم الكثير من التضامن والابتعاد عن التشرذم والتمزق ونبذ المشاحنات والخلافات والمنازعات التي تؤلم المواطن العربي.
ولاشك أن عوامل التوحيد والتقريب أقوى بكثير من عوامل الفرقة والتباعد ولم يعد مقبولاً بعد الآن أن تبقى المظلة العربية مثقوبة والجدار العربي متباعداً، كما لم يعد مقبولاً أن يعيش المواطن العربي العادي على أصوات الخلافات تندلع في هذه العاصمة أو تلك.
وبعيداً عن المزايدات السياسية لاخلاف أن استمرار الثغرات والتمزق في الصف العربي يؤدي إلى ناحيتين سلبيتين تتكاملان في خطورتهما على جميع المستويات القومية والوطنية هما: دفع المواطن العربي في لهيب التشاؤم، وهذا ماتعمل له الحرب النفسية التي أشعلتها الإمبريالية والصهيونية العالمية، وبمعنى أكثر وضوحاً قتل روح المقاومة، وروح النضال، وروح التوثب وروح الوحدة في ضمير الإنسان العربي وهو مايخدم الخط المعادي للأهداف والتطلعات العربية الأصيلة.
والناحية الثانية: إن التمزق العربي يعطي العدو المناخ والجو الملائمين والفرص الكاملة لإعداد خططه ومفاجأة العرب بهذا العدوان أو ذاك، وليس خافياً على أحد أن بقاء الخلافات العربية وإطالة أمدها تشكل الركيزة الأساسية في استراتيجية إسرائيل وأميركا، وبقية القوى المعادية التي توظف هذه الخلافات والاختلافات لتنفيذ مصالحها وسياساتها في المنطقة.
وعلى ضوء هذه الحقائق ومن مطلب قومي صرف أصبح التضامن العربي سلاحاً مادياً ومعنوياً وقوة لاغنى عنها في أي وقت طالما بقي الصراع قائماً بين الوجود الصهيوني والوجود العربي تحقيقاً للرأي القائل: إن السلام بين العرب هو أعلى مراتب الحرب ضد إسرائيل.
وانطلاقا من الإيمان بأن لاشيء يعلو على المصلحة العربية العليا كما قال الرئيس بشار الأسد ولاشيء يفوق الخطر الصهيوني لابد من إرساء التضامن العربي على قواعد ثابتة، وأسس قوية ومتينة لكي يصمد أمام مايمكن أن يتعرض له من هزات قد تنشأ في المستقبل.
وعلى هذا الأساس فإن الواجب القومي يدعو إلى الاتفاق على الأسس والمبادىء التي يرتكز عليها التضامن واعتبارها فوق كل خلاف وأقوى من أي انفصام.
وبالتالي وضع هذا الاتفاق دستوراً عربياً لايجوز خرقه أو اختراقه تحت أي ظرف من الظروف، ولأي سبب من الأسباب، ولكي يبقى هذا الدستور مصاناً لابد كذلك من تحديد الوسائل لمعالجة الخلافات المستقبلية بشكل لاتنسحب آثارها على التضامن نفسه.
من هنا يجب أن نبدأ.
ومن هذا المنطلق يجب أن نتحرك. علينا أن نسلم بأهمية التضامن العربي لمواجهة التحديات الصهيونية كما علينا أن نسلم بأن لهذا التضامن مبادىء يجب أن يقوم عليها والبحث يجب أن يبدأ من تحديد هذه المبادىء ومن بلورتها والاتفاق عليها بعيداً عن المعميات والمتاهات، بحيث يكون كل شيء واضحاً ونابعاً عن قناعة وإيمان وصولاً إلى الغاية المنشودة في إحياء التضامن العربي وإحياء العمل المشترك لمواجهة العدو المشترك المدجج حتى النخاع بآلة الحرب الأميركية.
وهذا الخطر لايهدد هذا القطر دون غيره ولايفرق بين عربي وآخر فهو موجه ضد الجميع ويستهدف الجميع والصراع مع الصهيونية ليس صراعاً آنياً.. إنما هو صراع وجود وبقاء, فإما أن يبقى الكيان الصهيوني أو نبقى نحن.
والذراع الطويلة التي تمدها إسرائيل لاتميز بين أرض وأخرى، وهي ذراع وحشية، إرهابية، إجرامية متغطرسة، وهي كذلك لأنها تستفردنا واحداً واحداً وتضربنا واحداً واحداً.
ويقيناً إن هذه الذراع ماكانت تستطيع أن تكون كذلك لولا أننا منقسمون ومختلفون، وأننا نهدر طاقاتنا وامكانياتنا في أمور هامشية. ويقينا إننا لو نتحد، لو أننا نضع قوانا المبعثرة في قوة مشتركة، لو أننا نصمم على المواجهة يداً واحدة وقلباً واحداً وصوتاً واحداً، لو أننا نقرر أن نكون أقوياء ونؤمن بأن القوة التي فينا قادرة على تغيير مجرى الأحداث ومجرى التاريخ لتغيرت الأحداث وبدأ مجرى التاريخ يتغير.