تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


طلال سليم يُجالس المطر بقصيـــدة تُلمــــس بالأصابــــع

ثقافة
الاثنين 22-9-2014
 علي الراعي

منذ سنة 2009، بدأ طلال سليم ينشرُ شهقاته الشعرية بمجموعات شعرية أخذت أكثر من ملمحٍ تُفارق حيناً مشهد القصيدة السورية المعاصرة، و..طوراً تتناغم معها بهمومها، وجماليتها في البحث عن لغة تأتي بالقصيدة من «أحفورياتها» القديمة لتدخلها بلغة معاشة بسماء الحياة المعاصرة، ومن ثم لتمدّ بلسانها للمارة إما حباً أو دهشة.

و..هكذا بين «لنجالس المطر» أولى مجموعات طلال الشعرية، ورابعة مجموعاته الشعرية «أحد عشر اصبعاً» ستحضر قصيدة هذا الشاعر، بتجليات متنوعة، فالسردية التي تطغى على القصيدة في صدورها الأول، وتذهب صوب الإسهاب في قولها الشعري، هذه القصيدة هي من ستقول «بيت القصيد » بشهقة واحدة، و..بكامل الشعرية والشاعرية:‏

من أفتى بقطع الصنوبر‏

حين أبان ساقيه العاريتين‏

فوق ضفاف البحيرة ؟!‏

هذا ما سينوّع عليه طلال سليم في مجموعتين شعريتين أخرتين هما «حكايات مسمارية» و«شهوة الخريف» رغم وحدة المضمون الموغل بالهم الشخصي الذي يعني الآخرين كثيراً، ومن ثم يصير الذاتي انعكاساً لهواجس الآخرين التي تشغل أرواحهم.‏

في هذه النتاجات الشعرية الأربعة لطلال سليم سيتلمس المتلقي لها الكثير من شواغله وهواجسه في الكثير من تفاصيل الصور الشعرية في زوايا القصيدة:‏

أعاتب الطريق دائماً‏

دائماً يصلُ قبلي‏

إليكِ‏

من هذه الملامح التي سيتلمسها قارئُ قصيدة طلال سليم، هو الاشتغال على انزياح المفردات التي استكانت في المعتاد لزمنٍ طويل جداً حتى افتقدت تأويلاتها و..إيحاءاتها، ليقوم بصياغتها في سياقات نصيّة جديدة، فيعدُّ لها استخدامات مختلفة لتوحي بتأويلات جديدة، و..لتدخل ضمن منطقة الشعر والقصيدة، هنا حيث يُعيد الشاعر للمفردات حيوتها الأولى، و..ينفض عنها خمولها لتصير مدماكاً قوياً في عمارة بيت القصيد:‏

عندما يصلُ الحطابون‏

صباحاً‏

تكون الصّحراءُ‏

قد خبأت كلَّ أشجارها‏

في الليل‏

تحت الرّمل‏

الملمح الآخر في قصيدة طلال سليم، هو ذلك الميل إلى التعامل مع المهمل، و..الذي كُنّا نظنّ أنه صار زائلاً، سواء في حياتنا اليومية المُعاشة الآن، أو من خلال النبش في أدراج الذاكرة، و..أحياناً الأدراج القصيّة باتجاه بيادر الطفولة، ومن ثمّ لتصير قصص الطفولة حالةً شعرية، ورغم كل هذا الهاجس صوب الطفولي البعيد، غير أنّ الشاعر كان حذراً جداً من الوقوع في حالة النستولوجيا، أي لم يأتِ الأمرُ نابعاً من حنين، بل جاء استحضاراً لمواقف قديمة لتصير أشبه بقصة، او حكاية ساخرة، أو مدهشة:‏

حين اعتقلت الوحولُ قدميّ الواجفتين‏

لم يكن أمام أصابعي‏

سوى الانسحاب من حذاءٍ خائن‏

و..هنا لامناص من الوصول إلى السمة الثالثة، أو الملمح الثالث في قصيدة طلال سليم، وهي هذه الحكائية التي تشغل القصيدة بالحدث، وأحياناً ثمة حوار وشخصيات، ومن ملامح قصيدة هذا الشاعر الذهاب صوب سخرية من مفارقات سوداء في تراجيديتها، وأحياناً يختم ومضاته الشعرية بالكثير من الطرافة لتقوم بمقام الخواتيم، وربما تُسجل لقصيدة طلال مثل هذه الملامح الذي غالباً ما يخلو منها النص الشعري الحديث الذي ذهب بعيداً صوب الخيبة والخذلان، والكثير من الحزن وحتى البكائية. حتى صرنا أمام نص متجهم وعابس طول الوقت:‏

قال خروفٌ جُزّ صوفه للتو:‏

ما أبغضكم..‏

تتدثرون بثيابي، و..أنا أرتجف‏

قال الجزّار:‏

لا ترتجف يا حبيبي‏

سأشعلُ لك النّار !!‏

في نص طلال سليم ثمة ميل واضح لقول الدفقة الشعرية دفعة واحدة، و..تأتي كشهقة بحيث لا تقبل أية إضافات، أو تعديل، وثمة انجدال بين الشاعر والفصول، تلك الفصول التي تحضر بقوة في النص مجسدة، ومؤنسنة بتشخيصات متنوعة ومختلفة، و..الفصول الأربعة ستأخذ «دور البطولة » في القصيدة، ولعلّ الأكثر حضوراً كان «الخريف » الذي كان شغل الشاعر في المجموعات الأربع، لكنه خصص له كتاباً صرفاً ليكتب تنويعاته الخريفية في «شهوة الخريف»:‏

في الخريف‏

ترتدي الطرقات‏

ثياب أشجارنا‏

هذا الخريف الذي يخشى عليه رعونة الفصول:‏

الربيع المزدحمُ‏

بوروده‏

كاد أن يدهسَ‏

الخريف‏

قصيدة طلال سليم تهرب من عنوانيها، بل ثمة التباس مع العناوين ومخاتلة سليحظها قارئ هذه القصيدة، هنا العنوان الذي يُختصر بكلمة، أو كلمتين تماشياً مع إيقاع ودفع نص القصيدة السريع، الذي لا يحتملُ الإطالة في العنوان، غير أن هذا العنوان قد يستعصي عن الحضور تارةً أخرى، فيستعيض عنه بالأرقام، أو قد يستعصي عن الحضور تماماً حيناً آخر، فيترك له فراغاً موحياً بين قوسين كبيرين، ليترك للمتلقي - ربما - مهمة الإشتغال على عناون القصيدة، أو ليجرب أن يضع عنواناً للنص كمساهمة في كتابة قصيدة مشتركة بين القارئ والشاعر..!!‏

في الصيف‏

يصبحُ نهرُ قريتنا‏

أميّاً.. لا يقرأ‏

حتى مجراه‏

alraee67@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية