بقراءتك.. لتعويذة «العشق» تفكّ طلاسم وألغاز الكون من حولك. بطريقة متسلسلة.. واضحة.. جذابة.. وغاية في البساطة.. لك أن تكتشف تلك الدائرة التي تمنحك بدايتها وخط نهايتها قواعد العشق «الأربعون»..
لكن ما القراءة المناط بك اتباعها.. ؟
بغواية قلمها الروائي تتقن إليف شافاق إتمام رسم لوحتها الروائية.. متشربةً كامل روحانية قصة التقاء جلال الدين الرومي بشمس التبريزي.
جسورة هي حين تمنح الحكاية بُعداً دنيوياً واقعياً.. وكما لوأنها تضفي تدرجات ألوان الطيف العشقية.. فلا عشق قاصراً مقتصراً على معنى واحد أو جانب وحيد.. ولا كامل الإغراق، ولو كان هناك ملمح تكثيف، في صوفية القصة التي تروي تفاصيلها، وما نتج عن التقاء الرومي بشمس التبريزي.. وكيف صيّره العشق الإلهي- الصوفي، أحدَ أهم شعراء العالم.
تتبع تقنية الرواية داخل رواية. فهناك زمنان.. زمن القرن الحالي الحادي والعشرين، وزمن القرن الثالث عشر.. ليغدو الزمن، وفق لعبة شافاق، مكوكاً يمضي ذهاباً وإياباً.. ويضفر الحكايتين بخيط شفاف لامرئي.. بلغز روحانية لحظة العشق ذات الارتدادات اللانهائية.. لحظة تفور بطاقات إيجابية غير معدودة ولا هي محدودة.
في عملها «قواعد العشق الأربعون» تحاول أن تقدم نوعاً من المزاوجة بين العشق الروحي والعشق الجسدي.. بتعبير آخر تمزج مابين العشق الإلهي- الصوفي والعشق العاطفي.. فلا إقصاء لثنائية (الروح- الجسد).. بل على العكس تماماً.. تجتهد في تقديم قراءتها الخاصة لمعاني العشق الصوفية.. مستندةً بذلك على القواعد التي خطّها شمس التبريزي.. تلج عمق عمقها.. ولا تكتفي بتفاسير ظاهرية..
هل مارست عادات الصوفيين أنفسهم.. فلم تهتم بالظاهر.. بل فضّلت الدخول إلى باطن المعنى.. إلى «العمق».. ؟ !
ولهذا لا تراوح بذات المنطقة (العشقية).. ولا تبقى أسيرة تفسير واحد. ولعلها بذلك أشبعت ميلها، وأظهرته، إلى تلك القاعدة الأربعين: (لا قيمة للحياة من دون عشق...)، خاتمة القواعد.. ومانحة التوازن لحياة الآدمي منا، في اعتناقه وتطبيقه لمعاني العشق «ديني ودنيوي».
أم هل أرادت شافاق في (قواعدها العشقية) تحقيق نوع آخر من التوازن والانسجام لما يسود في عالمنا الحالي.. بانحيازها إلى «روحانية» تلك (القواعد).. تركيزها على الجوهر.. عبر إنعاشها للجزء غير الظاهر منا، لكنه السر الأكثر فاعلية.. والأهم.. (الروح).. كنوع من الإتيان بشيء يقابل ويواجه مادية العصر الذي نعيشه.. ؟!
بالآن عينه.. فإن المتمعن بدقة في تلك القواعد الأربعين، يكتشف أنها طريقة عيش للحياة.. طريقة فضلى. ويبدو أن الروائية، بسردها لهذه القواعد بشبكة روائية متقنة، لقطت ماهيتها الحياتية.. فدعمتها عبر إتيانها بقصة بطلتها العصرية «إيلا» التي صفقت باب حياتها الماضية.. وبدأت عيشاً جديداً مع من أحبت.. وبذلك تكون شافاق ظهّرت بُعداً واقعياً حياتياً لقواعد شمس التبريزي.. وإن لا كيف لنا قراءة قواعده التي تقول التالي:
- لا يعني القدر أن حياتك محددة بقدر محتوم. لذلك فإن ترك كل شيء للقدر وعدم المشاركة في عزف موسيقا الكون دليل على جهل مطلق.
- ليس من المتأخر مطلقاً أن تسأل نفسك، هل أنا مستعد لتغيير الحياة التي أحياها.
- كل إنسان هو عمل متواصل يتحرك ببطء لكن بثبات نحو الكمال.
- لا تهتمي إلى أين سيقودك الطريق، بل ركّزي على الخطوة الأولى... وما إن تتخذي تلك الخطوة... سيأتي كل شيء من تلقاء نفسه. لا تسير مع التيار بل كوني أنت التيار.
تكسو شافاق روايتها بغلاف روحاني.. بدايةً يستشفه القارئ من توطئة العنوان.. لكنها تحاول إبقاء ذاك التوازن بين المادي والروحي قائماً طوال عملها.
تلتقط كلا الجانبين.. وتحافظ على وحدة انسجام و«هارموني» بين قطبي ثنائية (روح- جسد).. مع أنها تقدّم القطب الأول وتكرّسه.. ليس إنقاصاً من قيمة الثاني وإنما لجعله أكثر فاعلية.