تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


التشخيص في الفن السوري

الثلاثاء 17-6-2014
سعد القاسم

قد تكون محاولة أولى للدخول في قراءة بصرية تفصيلية تنطلق من عمق تاريخ الصورة في بلدنا، لا تعني بالضرورة انتفاء الحاجة إلى الدراسة العامة، بعد ما تم طرحه خلال العقود الأربعة الماضية من أبحاث ثرية ، وإنما هي عرض لرؤية خاصة عن تاريخ فن الشكل في سورية من خلال زاوية تساهم في استكمال المشهد العام..

هكذا يمكن تلخيص جوهر كتاب (الفن التشكيلي السوري – التشخيصية) لمؤلفته يارا معلا الصادر حديثاً عن الهيئة العامة للكتاب في 384 صفحة من القطع الكبير، متضمناً عدداً كبيراً من الصور التي تشمل معظم ما أبدعه المصورون والنحاتون السوريون، في إطار الصورة المشخصة، منذ الحضارات الأولى في وادي الرافدين، وحتى يومنا هذا.وهذه الصور أتت كشواهد على البحث الهام المستفيض بالمعلومات،والذي اعتمد منهجا بحثياً واضح الغاية :» تحقيق الصلة بين ماضي التشخيصية وحاضرها، وكيف استطاع الفنان السوري أن يطبع التشخيص بطابع فترته في مختلف مراحل تطوره ..»..‏

ويلتقي هذا الهدف مع بيانات فنية (غير معلنة) لتشكيليين سوريين معاصرين اعتبروا تجاربهم هي محاولة لوصل ما انقطع من تاريخ فن الشكل في سورية، بسبب ما تعرضت له من اضطرابات سياسية كبيرة على امتداد تاريخها بمراحله جميعاً، مما حرم المفاهيم الجمالية البصرية فرصاً هامة للاستقرار، ومن ثم للتطور والارتقاء،كما أدى إلى فقدان قسم كبير من التراث الفني البصري بفعل الحروب، والاضطرابات الداخلية، وكنتيجة مباشرة للتخريب والسرقة والإتلاف المتعمد.إن هذه الرؤية سواء عند المؤلفة، أو عند أصحاب التجارب التشكيلية انفي الذكر، تعبر عن فهم عميق لتأثير الجغرافيا والتاريخ في النتاج الإبداعي، وهو ما يستوجب البحث فيهما مع كل محاولة جادة لتقديم وجهة نظر في تجليات العمل الفني..‏

و بالمقارنة مع محاولات سابقة لتحديد الهوية البصرية للفن التشكيلي السوري من خلال البحث في مفردات شكلية متكررة في نتاجه عبر التاريخ، تجنبت يارا معلا حشر بحثها ضمن تصورات (قسرية) مسبقة تتعارض مع الواقع، كما هو الحال مع قراءات وجدت أن الفنان التشكيلي المعاصر كان أميناً للمفاهيم الفلسفية الجمالية لأسلافه بالتزامه بالنسب الذهبية التي اعتمدوها للجسم البشري، والتي تتناقض كثيراً مع النسبة الذهبية (الحسابية) الإغريقية، بحكم طغيان المفهوم التعبيري في حضارات الشرق، على مفهوم الشبه، وتحولاته نحو الكمال والمثالية الشكلية في الغرب الأوروبي. ذلك أن تلك المحاولات السابقة قد أسقطت من حسابها ، بسبب خيارها المشار إليه، كل ما قدمته التجارب الواقعية، والزخرفية، والتجريد، والحروفية، وحتى التعبيرية.فيما نجد أن المؤلفة قد سعت بالمقابل لتوسيع مفهوم التشخيص بحيث يمكن ملاحظته في معظم الاتجاهات التي يحفل بها الفن التشكيلي السوري، ويدعم وجهة نظرها حقيقة أن كثير من الاتجاهات تمتلك بحد ذاتها هامشاً أوسع بكثير من اسمها التصنيفي، وأن عدداً هاماً من التجارب التشكيلية المعاصرة إنما صنفت تحت هذا الاتجاه أو ذاك، لسهولة الدراسة ليس إلا.. دون أن تنتمي اليه بالمعنى الدقيق للشروط والخصائص..‏

إن إحدى المنطلقات الأساسية للمؤلفة في اختيار موضوع بحثها ملاحظتها ارتباط الفن السوري، في مختلف أحقابه، بالإنسان، وتجلى ذلك من خلال إعلائه قيم الشكل الإنساني،وهي بالمقابل تختم بحثها الهام بملاحظة أكثر أهمية،وهي أن التنوع و الغنى الهائل للفن السوري يحتاج إلى فترة أطول، وجهد أكبر لاستدراك ما غاب أو يكاد يختفي في حقول النسيان..‏

و تأمل المؤلفة أن يتاح لها ذلك مستقبلاً..ونحن نأمل معها..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية