تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الهوكيّون العرب -4-

الثلاثاء 17-6-2014
الدكتور جمال الدين الخضّور

تكاثرت العناصر الهوكّيّة التي أعلنت توسّفها، عن الدولة السورية ومؤسَّساتها، وفرت هاربةً لتعلن انضمامها إلى جوقة دعاة حرب الضباع على القطر العربي السوري، وبدأت جموعهم تتزاحم على مداخل صالونات التآمر، تماماً كسباق الذئاب في الجليد وقت الضباب.

ومن متابعة الأسماء التي تقوقعت في جيوب الرياح الصفراء، نلاحظ، بأنَّ «غرف الحرية الثقافية» التابعة للمخابرات المركزية الأمريكية - الصهيونية، وذيلها النفطي الخليجي، التي ركّزت على النسق الأدبي الثقافي، والنسق الاعلامي، واكتشفت أنَّ النسقين متداخلان أشخاصاً وأدوات، وبدأت بما يلزم من علاقات وطلاء، ودراجات وفنادق تمهيداً لما حدث لاحقاً.‏

وإذا كانت سابقتها الأوروبية والأمريكية من نخب فكرية وثقافية وإعلامية،ممن انتموا لمملكة المجد الشعبي والاعلامي والعالمي، هي التي دبّرت عمليات الاغتيالات والانقلابات وعمليات القتل والإبادة والخطف، وكانت في مكاتبها السرية جداً تُدار عمليات فن الكذب والخداع وقادتها إلى آفاقٍ بعيدة،.... وإلاَّ ما معنى أن تعطي المخابرات المركزية الأمريكية لعملياتها ذلك الثقل الثقافي العملاق...؟ ومن هنا يمكننا أن نربط تقييم مثقف كبير بحجم آرثر شليزنجر لها، باعتبارها الوعاء الليبرالي الذهبي المأمول ( قاصداً وكالة المخابرات المركزية الأمريكية)، ماذا يمكننا أن نقول عن فيالق كاملة من المفكرين والمثقفين العرب عموماً، والسوريين خصوصاً، التي اشتغلت كجيش غزو «أجنبي» نازي «فاشي»، منذ بداية الحرب على سورية. وكانت قد سبقتها فيالق مماثلة في التمهيد الفكري والسياسي منذ بداية العقد الأول من هذا القرن وخلاله. فتراوحت نبرة خطابها بين التأييد والدعم العلنيين المباشرين لتلك الفيالق القادمة من كهوف التاريخ في آسيا الوسطى، وأوروبا، وأفريقيا، وأوكار الوطن العربي...، أو الدعم والتأييد المستبطنين، عبر خطابٍ مبتذلٍ يشير إلى وقائع داخلية تاريخية أصبحت خارج بحور الدم وجبال الدمار والخراب والحطام.‏

وعندما أضيف العنصر البشري الخليجي إلى مالهِ الغبي الوفير، وبشكل طغى على بقية مقاتلي الخراب، ارتفعت نبرة المثقفين السوريين والعرب، الداعمة لهم، وازداد عدد الملتحقين بهم من الوسط الثقافي والاعلامي...، ما يؤكد أن الخطوط الرابطة والاعدادات المسبقة تشير إلى شبكة مطابقة تماماً، لما كان عليه الهوكيّون الغربيّون. وما ميّز العرب منهم، الاشتغال على قضايا جذرية تمسُّ البناء الثقافي والأخلاقي والذاكرة الجمعية والهوية العربية بشكل عام:‏

1 - اشتغلت جحافل «المثقفين» الهوكيون العرب على تدمير وتحطيم وتخريب البنى الحيوية للذاكرة الجمعية فاستهدفت كل الرموز المادية والمعنوية المكونة للهوية الثقافية لما قبل الرسالة الاسلامية المحمدية العظيمة. فحددت تلك الرموز وتموضعاتها، وجغرافية انتشارها، وأهميتها في البناء النفسي العربي العام، ودفعت تلك القطعان المتوحشة لتدميرها وإحراقها، وبطريقة لا تقبل الترميم اللاحق، أو تترك أثراً يبقى. ومن البداهة التأكد بأن تلك القطعان لا تعرف ولا تدرك، لا معنى تلك الرموز، ولا جغرافية ولا ديموغرافية انتشارها. ثم إن طريقة التنفيذ تؤكد الانخراط المباشر لمفكرين وباحثين تاريخيين وأنتروبولوجيين (أنتروبولوجيا، علم تطوّر الانسان) في عملية التخريب والتدمير. فهناك رموز استهدفت بدقة متناهية لا يدرك أهميتها إلاَّ صاحب الاختصاص الدقيق والمعمّق.‏

2 - محاولة تخريب الخيال الجماعي والخيال الجمعي، عبر تدمير العناصر المكوّنة له، وإبادة البنى الأولية والتراكمية المشكلة له. وهذا ما ظهر في استهدافات دقيقة ومحددة لمكونات ديموغرافية جذرية عمقاً، وأفقياً، في التكوين الثقافي العربي. وإلاّ كيف نفسر استهداف رموز الصابئة تاريخياً وبشرياً، واليزيديين، والشبك....، بعد أن استهدفوا الرموز السومرية والبابلية والعبلاوية ( الحضارة/«الابلاوية»/ في بلاد الشام)، والآشورية والسريانية ( بمعناها التاريخي الانتروبولوجي، وليس بمعناها الديني) والكنعانية والآرامية ( بمعناها التاريخي واللغوي) والنيلية ( المصرية القديمة)...‏

كل ذلك يشير ويؤكد ان المكاتب السرية للهوكيين العرب والغربيين والملحقة بـ «كبار» الباحثين التاريخيين والأنترولوجيين، هي من كان يحدد العناصر والمناطق الواجب استهدافها، والجماعة الاناسية الواجب إبادتها وتهجيرها، ليس، بالمعنى المادي فقط، بل والمعنوي ايضا... وهذا مايؤدي الى الخلل التالي في قدرة الثقافة العربية المشرقية ( بالمعنى المعرفي) على الصمود والاستمرار.‏

3- الزمان في الثقافة العربية، هو مكان منتشر في التاريخ، والمكان العربي هو زمن مكثف في موضع وموقع ما.. والقداسة التي يحملها مكان ما ( في الذاكرة العربية عموماً والسورية خصوصاً)، هي بالضرورة والتأكيد محمولة علىقداسة زمان ما.‏

وهذا مايمز الثقافة العربية، حيث يحمل العربي مكانه معه، اينما حل وكيفما ارتحل.. لذلك تجد الكثير من الاسماء ( امكنة، قرى، بلدات، مدن) مكررة وموجودة في غير موقع من الوطن العربي( من المحيط الىالخليج!!!!؟؟؟؟) طرابلس، صور، القنيطرة، صيدا، شبعا.‏

كما ان العربي يتميز ويسم نفسه ويصفها بالمكان ( المصري. الشامي، المنفلوطي، الحمصي، الحموي، الجزائري، البيروتي، المقدسي، الغزاوي، المغربي، التونسي، تيزيني، بيريني، أسواني....) وهاتان السمتان الملازمتان للعربي بتقديره للمكان، يشكلان بناءً خاصاً ومتميزاً في الذاكرة والمخيال، وهو مادفع الغرفة السرية الهوكية الى التدمير الممنهج والنسقي للمكان.‏

4- عملت تلك «الغرفة الهوكية» على الغاء كل مختلف مع أديولوجيتها الوهابية، التي شكلت العنصر المحوري لجحافل الإرهابيين المتحدرين من كل أصقاع العالم.. وطرحت كل من يخالفها ضمن صيغة الالغاء والابادة.. وإلا مامعنى تدمير بعض مواقع ومزارات التيارات الصوفية.‏

ففي مصر مثلا تم تدمير مائتي موقع صوفي لتيارات فكرية متعددة. في ليلةواحدة، وفي توقيت واحد وكذلك الامر حدث في الشام وبلاد الرافدين.‏

ترى هل يعرف هؤلاء من « حجر بن عدي»، وما موقعه التاريخي، واين مقامه؟!!‏

فهل كان سيحدث ذلك، لولا وجود « غرف ثقافية» خاصة تنسق العمل بين التنظير والميدان؟‏

ومهما كان الامر، إلا ان التحليل يؤكد ان « الهوكيين» العرب وضعوا الحاضنة السياسية للعمل الابادي والالغائي، فقد قدموا ارضية واضحة لعمليات الابادة الدينية والمذهبية، والطائفية، والاثنية... من خلال طرح الأديان والمذاهب والطوائف ضمن صيغ سياسية قهرية، وتسميات أيديولوجية، وفرت ظاهرا السياق العام لجريان انهار الدم الدينية والمذهبية والطائفية ( مصر نموذجاً، الجرائر في نهايات القرن الماضي......) فليس سراً العلاقة العضوية والموضوعية والتاريخية بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية والتنظيمات الوهابية ومشتقاتها ( القاعدة، طالبان، النصرة، داعش... الجبهة الاسلامية..) والاخوانية، الحاضنة الاساسية، والحقل المركزي الخصب لنمو الحركات الارهابية.‏

كذلك من المعروف العلاقة بين «المثقفين» المذكورين، والادارة الامريكية، وبالتالي مع وكالتها المركزية، وهي علاقة وطيدة عضوياً، وموضوعياً، وتاريخياً (هل نسينا الرحلات الدائمة) التي نظمتها السفارة الامريكية للكتاب والمثقفين السوريين في تسعينيات القرن الماضي ولمدة اسبوعين، مع زيارة حتمية لمتحف « الهولوكست؟!!».‏

وعندما احتج بعض الكتاب اليساريين على قبول البعض السفر الى الولايات المتحدة...، كانت الاجابة نفسها التي تكررت مع بداية الحرب على سورية وانخراط بعض اليساريين في صفوفها ( لكم يساريتكم، ولنا يساريتنا).‏

«أولئك اليساريون السابقون كان لابد من تجميعهم ودمجهم معاً في هذه المؤسسة نفسها مع وكالة المخابرات المركزية الامريكية، وهو امر قد لايبدو قابلا للتصديق.‏

كانت هناك مصلحة مشتركة حقيقية، وكان هناك اقتناع بين الوكالة وأولئك المثقفين الذين استؤجروا لكي يخوضوا الحرب الثقافية حتى وان لم يعرفوا ذلك.‏

وتبدو هذه السطور التي قدمت للمؤرخ الامريكي المذكور آرثر شليزنجر، وكأنها كتبت بوصف جحافل المثقفين العرب، وخصوصا السوريين.‏

فإذا كانت الستالينية حجة بعض الهوكيين الغربيين، بالرغم من أنها واهية وسفيهة بل وحقيرة لان الستالينية ومظهرها الثقافي- الأدبي « الجدانوفية» ومهما بلغت من درجات القمع والاستبداد، لا تبرر إطلاقا لهؤلاء ذلك الانحراف المقزز، فما هي حجة الهوكيين العرب للارتباط المعلن بالمشروع العولمي المتوحش؟ وأعلنوا التمهيد للإبادة التالية بعلاقتهم الوطيدة مع فصائل الارهابيين، وقصفهم التمهيدي، ومنذ اكثر من عشر سنوات ضد البُنى المتبقية من التيارات الجذرية القومية، وإعلان تحالفهم المعلن مع كل مشتقات النيوليبرالية المتوحشة.‏

- (خيانة المفكرين- كتاب للكاتب جوليان بندا نشر عام 1927، اعتبر فيه من يخون الحقيقة من المثقفين خونة.‏

- وقال تشومسكي عن أولئك الذين يخونون ضميرهم بأنهم «قتلة التاريخ».‏

- للكاتب الكبير، ادوارد سعيد كتيب، حول الموضوع نفسه بعنوان «صور المثقف»).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية