تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


العرض الراقص «حساسية عالية» .. هل نعتنق قوانينه..؟!

ثقافة
الثلاثاء 5-5-2015
سعاد زاهر

وقت قصير.. اقتطعناه لنحضر عرض حساسية عالية، نصف ساعة كانت كافية لتجعل أرواحنا تنتفض مع تلك الاجساد اللينة، المتمايلة بصبر ورفق لتعبر عن بعد انساني، لأزمتنا المقيتة.

مؤخرا لم نحضر عرضا او فيلما.. الا وكانت الازمة بطلته، الا أن الانساني الذي وثقه العرض اختلف، وطريقة تقديمه التي لامستنا بحساسيتهم العالية.. لحظة مهمة.‏

تمكنوا من توليد حس مختلف لدينا، منذ البداية أتتنا تلك الشاشة في عمق المسرح لتتموضع وكأنها البطل الرئيسي، في العرض، لتقدم لنا عبر صور مكثفة على ايقاع موسيقا نجح في توليفها كنان حسني، لتشكل حاملا رئيسيا طيلة العرض، وكانت من اقوى المؤثرات التي جعلتنا نندمج مع تفاصيل العرض الاخرى.‏

المادة الفيلمة التي اصر العرض على تقديمها من البداية حتى النهاية مندمجة مع عناصر العرض الاخرى الراقصة، والموسيقية.. ومع انها ترمي في وجوهنا الكم الكبير للدمار، الذي نحاط به واقعيا، وكأننا اعتدناه، الا اننا في العرض ومن خلال التوليفة تتجه نحوك بايجابية، نكتشف كم حقنت ارواحنا بمواد مخلخلة للشعور تجعلك تدمن على كل هذا الخراب والتشويه وكانه الاصل..‏

بعض التهدئة الفنية، من خلال توليفة متقنة.. تجعلك تريد أن تهرب الى عالم اخر جمال نفتقده، لا ملاذ فيه لتهيئة خراب جديد محتمل، يحاصرنا مجددا ولانستطيع الهرب منه مهما حاولنا.‏

الرقص بطل العرض الاساسي اتانا عبر مجموعة من الراقصين (ريم شحادة، ماهر يوسف، مروة عثمان، محمد كمحة، مروة العيد، ملاك العيد)..‏

حركة اجسادهم دفعت بنا الى صراعهم المرعب بين الحياة والموت.. وكأن أرواحهم عالقة لاتستطيع التحرر، كل محاولات الافلات تفشل، يربكها حالة التذكر أنها كانت يوما تحيا حالة مختلفة، حياة طبيعية يحاول العرض اظهارها باضيق الحدود من خلال الثنائي المحب، والذي يتلقفه اخطبوط الحرب، لتبدو لحظات السعادة صعبة المنال، وليحاصرهما الموت بسهولة تسلل دخانه.. الحاضر ابدا طيلة العرض.. وكأنه رياح الموت المتخفية بدخان لالون ولا رائحة له ولكنه يصيب الكل.. !‏

هكذا يصر العرض على تقديم الخراب بكليته الممزقة لارواحنا، ليس الحب وحده ضحية له، بل براءة الطفولة تلك التي يقدمها العرض وكأننا في فيلم كرتوني، كأننا نعوم بين الخيال والواقع..‏

ألسنا بعيدين عن انسانيتنا كليا حين لانتمكن من الاحتفاظ بكل هذه البراءة التي تشع في عيونهم الملائكية فنصر على خنقها غير عابئين بعدها بكل هذا الخبث البشري الذي نحقن به أنفسنا على الدوام وكأنه القوة الاساسية في عوالمنا المتهالكة، المتهدمة.‏

طريقة العرض الفنية تختلف عن طريقة تلقينا له، نحن هنا لانسمع نشرة اخبار نفقد بعدها توازننا ونشعر باللامل، كما يحدث معنا في الكثير من الاعمال الاخرى التي تصر على مباشرة مزعجة.. انما يفتح باب ما، طاقة نور.. حين ينهي العرض بمزيج مبتكر لبلد لايزال يقاوم وكانه يعيش يومه الاول من الحرب.. !‏

صاحب الرؤية الاخراجية جمال تركماني اعتمد على فضاءات ثلاث.. السينمائي من خلال الاعتماد على تقنية 2D أو البعد الثاني على الخشبة، والفضاء المسرحي، واخيرا فضاء التلوين عبر الاضاءة..‏

مصمم الرقص أحمد جودة، ركز على الانواع الراقصة مودرن، الرقص الحديث، المعاصر، ونيو كلاسيك).. أما مصمم الاضاءة القدير نصر سفر فقد كان لاضاءته دور مهم واساسي في اظهار الشفافية والاحاسيس التي يحاول العرض تصديرها، وكان يظهر دورها جليا خاصة في تلك المشاهد الكابوسية ناقلة الينا أحاسيسهم الثقيلة، تلك التي يحاول المرء معها التاقلم مع مرارة الواقع.. وأكثر ما كانت تظهر تموجات الاضاءة المختلفة حين ترافق حركة الجسد، وتلك التشكيلات الراقصة المختلفة.‏

العرض الذي قدم بمناسبة يوم الرقص العالمي، واستمر لخمسة ايام على مسرح الحمراء، كتب النص له كمال بدر مادته الاساسية كلها من مخزون حربنا الطويلة، ولكنه أصر على ان يقدمها لنا برؤية فنية تتعاطى مع الواقع بمزيج فني بتنا نحتاجه ونحن نهرب من كل هذه الواقعية المقيتة، تلك التي تجرنا الى ظلام الحياة، الذي تشعر معه انك دخلت في نفق مظلم، يمتلئ بكل رعب العالم، تحاصرك فيه كل مشاق الكون، لتفقد مقاومتك دفعة واحدة.. ولكن ثمة لحظة تجعلك تنهض رغما عنك.. لتمسك بايدي الاخرين بانتظار لحظة حب وسلام حقيقي..!‏

soadzz@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية