«نعم, سورية هي «أم النور» وكلّ كاتب وشاعر وموسيقي, مدينٌ لها بأبجدية كتابتهِ وأوزان شعره وألحان موسيقاه... إنها مليكة الدنيا الطالعة منذ الأزل شمساً على ممالكها. الجالسة حكمة وحسناً, عكلماتٌ, لعازفٍ وملحِّنٍ موسيقي سوري,غادر الحياة منذ أشهرٍ ليست طويلة,وبعد صراعٍ مؤلمٍ مع المرض الذي لم يمنعه ورغم جبروتهِ وقسوته, من التفكير والبحث اليومي, وبهاجسٍ لايمكن أن يُصاب به إلا من كان الإبداع صنعته.
إنه «إدوار شمعون» الباحث الموسيقي الذي لم يتوقف عن ترديد هذه الكلمات حتى آخرلحظةٍ من حياته, وسواء في حواراته أو كتاباته. ذلك أن عشقه لوطنه كان نابعاً من عمق انتمائه لسورية. الوطن الذي تيقَّن باحثاً, بأنه منبع التراث والفن والإبداع والحضارات البشرية.
نعم, إنه يقينُ هذا الباحث الذي اكتشف, بأن الأشعار الأوروبية «الفرنسية والإنكليزية والإسبانية» هي ذات أصول شعرية عروضية «عربية وسورية وآرامية». يقينً المخترع الذي أبى إلا أن يميز انتما ءه بإبداعٍ دفعه لابتكارِ اثنتي آلةٍ موسيقية عربية - وترية, يعزف عليها بالقوس والريشة, ومنها»عود فريد الأطرش».. «عود أسمهان».. «عود وديع الصافي».. «عود أم كلثوم».. «عود عبد الوهاب» و»كمان فيروز» وسوى ذلك مما كُرِّم عليه, ونال على براءة اختراعة, العديد من الميداليات الذهبية والجوائز السورية والعربية والعالمية.
أما أشهر وآخر ماكان قد ابتكره, فالكمان السوري الذي أطلق عليه اسم «كمان هيروشيما» الكمان الذي قال لي ذات حوار, عن هدفه من ابتكاره: «هو الكمان الذي سأقدمه إلى مندوب الأمم المتحدة في سورية, ولقد أرسلته في ذكرى السلام, و بتاريخ 31/8/2006 إلى متحف هيروشيما العالمي, وقد انحنى يومها السفير الأميركي للكلمات التي كتبتها عليه. انحنى للترتيلة الأكادية التي تقول: «ياليل, ياليل» وليس لمعناها الطربي, وإنما لمعناها الحزين الذي يرثي مدينتي «هيروشيما وناغازاكي» اللتين قصفتهما أميركا بقنبلتين ذرّيتين عام 6/8/1945 و9/8/1945, ودون أن يكون هناك مبرّر لقيام الحقد الأميركي بهذا القصف لطالما, كانت إيطاليا وألمانيا قد استسلمتا».
وعن وطنهِ سورية, وعن ثقافتها وفنونها وتراثها وحضارتها, قال: «تكتبُ الأمم تاريخها وترسم حدودها, بمدادِ الدم والنار. مدادِ الحروب والدمار, إلا سورية, فهي تكتب تاريخها وترسم حدودها بمدادِ النور.. نور هَدي الرسالات السماوية, وأنوار أبجديتها وكتاباتها وعلومها وفنونها وتراثها وحضارتها. أيضا, قوانينها التي أشرقت أولاً على أرض الرافدين, ومن ثمَ على ساحلها الفينيقي, لتتوالى بعدها إشراقاتها الحضارية على الأرض الواقعة بين البحر الأسود شمالاً وجزيرة العرب جنوباً, وبين بلاد السند «إيران» وحتى كريت ومصر وقرطاجة غرباً, وهذا بحسب المؤرخ الإغريقي «هيرودوت» أبو التاريخ قديماً, و»هنري جيمس برستند» مؤرخ العصور الحديثة».
هذا هو الملحن والباحث الموسيقي السوري «إدوار شمعون» المخترع الذي عانى أكثر ماعانى, من الإهمال الذي المهُ جداً, وخصوصاً بعد أن تدهورت صحتهِ بطريقةٍ فاقت في أوجاعهاإلا إصرارهُ على العطاء.. هذا هو المبدع الذي ألمهُ أيضاً, شعورهُ بأنه قادم إلى نهايةٍ كم تشهى لو أنها لاتدنو منه قبل أن تبرأ سوريته, ومن عللٍ الخذلان التي لم ولن تمنعها, من الحياة والبقاء.