لطالما كانت عينه على الشهادة والتضحية ثمناً لعزته وشموخه و كرامته التي تحاول وحوش الأرض وذئابها نهشها وذبحها ليس منذ نحو أربعة سنوات كما يتخيل البعض، بل منذ أن قرر الشعب السوري رفض الخنوع والركوع والتبعية واسترجاع حريته وأرضه واستقلاله.
في عيد الشهيد يحضر الشهيد بكل ما يحمله من شجون وأفانين الحياة المزهرة التي لا تزال تحرضنا على الثبات الصمود والمواجهة، والتي لا تزال تؤسس كل خياراتنا واتجاهاتنا وسياساتنا، والتي لا تزال أيضا تصنع كل انتصاراتنا وأمجادنا.
في أيار قد يحرض الشهيد فينا ما هو اشد وطأة على النفس التي ألقى فيها كل معاني الحياة والأمل، و قد يدفع بذاكرتنا إلى إلقاء كل ما فيها من وجدانيات وأوجاع وفجائع بهذه الأمة التي اختطفتها أيدي الخيانة والتبعية إلى أماكن غريبة والى ضفاف بعيدة قد لا تستطيع بعدها الرجوع منها بعد أن حولتها تلك الأيدي الغادرة إلى أدوات رخيصة بيد أعداء الوطن لتشاركهم ذبح العروبة والوطنية التي لطالما كانت سورية مهدها وفجرها ومستقبلها.
في أيار يعيد الشهيد كتابة التاريخ ويعيد كتابة الحاضر والمستقبل ليؤكد أن حضوره لا يزال الأكثر فاعلية ووجودا على هذه الأرض التي تموج بالتناقضات والتباينات والاختلافات، وليؤكد مجددا أن دماءه الطاهرة هي التي سوف ترسم التاريخ ،وهي التي سوف تعيد الأمجاد لهذه الأمة، وهي التي سوف تصنع الانتصار تلو الانتصار.
لأيار رمزية ومعزة خاصة عند السوريين لأنه بات يشبه جميع شهورهم وأيامهم التي جعلها السوريين قرباناً وفداءً لعزتهم وكرامتهم، وبالتالي فقد زاد السوريين على أعياد أيار أعياداً كثيرة للشهادة قد تواكب في حضورها أيار وقد تتفوق عليه أحياناً.
بين الأمس واليوم محطات وفواصل كثيرة في حياة الأمة، لكن الواضح أن عقل السوريين وفكرهم وثقافتهم لا يزال يؤمن بأن الشهادة هي أساس حتمي لكل وجود وصمود وحضور في هذا العالم الذي يمور ويغلي فوق الجحيم بعد أن اجتاحته الأطماع الاستعمارية والأحلام الصهيو- أميركية بالقضاء على هذا الأمة وتذويبها بشكل كامل عبر السيطرة عليها وسلبها حريتها وكرامتها بعد تقسيمها وتجزئتها الى دويلات ومزق طائفية واثنية وعرقية.
ما يجري اليوم من تكالب واضح على سورية ليس في حقيقة الأمر إلا جزءاً من هذه الأحلام والطموحات الاستعمارية التي تواجهها سورية اليوم باستحضار الشهادة والشهيد في كل تفاصيل صمودها وانتصارها يقينا منها بذلك، بما يضفي الشهيد على الفعل السوري من قوة وإرادة وإصرار على المواجهة والانتصار.
في حضرة الشهيد ورغم زحام الحروف تعلن الكلمات عجزها المطلق عن إيصال مكنونات الوجدان وشجون الذاكرة التي تشتعل حضورا ولوعة وكبرياء.