فالواجب يفرض علينا أن نغوص في عمق هذه المسألة لنرى إلى أي حدّ نصيب الحقيقة، ولنعرف إن كانت الأرقام التي تُعمَم عن زراعة هذه المنطقة قريبة للدقة أم مجرّد أرقام “إعلامية” وهل تحقق هذه الزراعة المردود الذي يوازي الاهتمام النظري بها أم أن حتى هذا الاهتمام محطّ شكّ؟!!
قد يكون من الصعب توصيف الحالة بالمطلق وإن امتلكنا رأس خيط المعرفة بهذه الزراعة لأن الأرقام التي تتناقلها مديريات الزراعة وغيرها من الجهات ذات الاختصاص “تشطح” في أحيان كثيرة، ونتكئ كإعلام على هذه الأرقام لأنه لا مصدر ثانٍ لها إلا الإحصاء الميداني وهذا ما نعجز عن الإحاطة به وليس من اختصاصنا... تحضر في ساحلنا الغنيّ كل الزراعات التي تحضر في حوض البحر الأبيض المتوسط
فالزيتون الذي خرج من سورية إلى العالم قبل أكثر من عشرة آلاف سنة مازال حاضراً في المعادلة الاقتصادية لسورية ولهذا الإقليم حصته الوفيرة من هذه الزراعة، والغريب هنا ورغم وفرة الزيت إلا أن أسعاره في الداخل مرتفعة قياساً للسعر العالمي لهذه السلعة ومازال سعره في طور التحليق، والحمضيات التي شاعت زراعتها في حوض المتوسط حاضرة وبقوة في معادلته الزراعية وأسعارها للمستهلك المحلي مرتفعة جداً رغم الشكوى من صعوبة تسويقه، حتى الأبقار والأغنام والماعز تتحدث بأرقام جيدة.
ولأن هذا الحوض الخصب مستلقٍ في مياه البحر فإنه لا تعرف كيف يصطاد في واحدة من المفارقات القليلة الحضور ولا يفي الصيد باحتياجات إلا عدد قليل من العاملين في هذا المجال ومازالت حصة الفرد من السمك حوالي كيلو غرام واحد في السنة! نسأل أنفسنا مرات كثيرة: إن كانت الأرقام التي نتداولها (وفق مصدرها) عن زراعة الساحل دقيقة لماذا لا نلمس على أرض الواقع ما يوازيها من آثار إيجابية على المنتجين، فالمنتج يشكو من ضعف المردود، والمستهلك يشكو من ارتفاع الأسعار والحقيقة هي ما سنبحث عنها؟ باختصار، وعلى الرغم من بعض الفوضى والارتجال في المشهد الزراعي إلا أن هذه الزراعة هي الرافعة الأقوى للاقتصاد المتوسطي في جانبه السوري وبناء على هذه الخلاصة ومن حيث انتهى الآخرون سنحاول إعادة فرد أوراق هذا الجانب الهام من جوانب الحياة الاقتصادية منتقلين من السطح إلى عمق هذه المواضيع إذ لا يكفي أن نقول أننا أنتجنا كذا وكذا وأن نتفاخر بمواصفات هذا المنتج “عاطفياً” وسنبحث محاولين الوصول ولو إلى ربع الحقيقة والبدء بتجميع القصاصات الزراعية البحرية من كل الاختصاصات “ محاولات –- تطوير- بنى تحتية- انتاج، . تسويق آراء..إلخ” ونعتقد أن محاولة كهذه تستحق أن نفرد لها المساحة المناسبة في وسيلة إعلامية أخذت على عاتقها أن تقترب أكثر فأكثر من المواطن وخاصة المنتج ونأمل أن نُعطى المعلومات التي نسألها بشفافية من قبل الذين نسألهم عنه. التفاصيل كثيرة جداً وستكون كلها تحت مجهرنا في قادمات الأيام علّنا نزرع شجرة زيتون إضافية في منطقة غنية جداً بمواردها الطبيعية والبشرية