التي كبلت دولها وجعلتها أسيرة الهيمنة الأميركية طيلة فترة الحرب الباردة لم يكن في مكانه بالرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققت على صعيد اتحاد دول القارة.
لكن وإذا ما استعرضنا تاريخ أوروبا على مدى المئة عام الأخيرة نجد أن الأمر طبيعي ولا يوجد ما يثير الاستغراب، لقد كانت أوروبا في بداية القرن العشرين تستحوذ على قوة عالمية هائلة حيث كانت تسيطر بشكل مباشر على كل الجزء الشرقي من الكرة الأرضية وعلى جزء من شطرها الغربي ومنذ ذلك الحين وتأثيرها في العالم أخذ يتراجع باستمرار الحرب العالمية الأولى التي فجرتها الدول الأوروبية الكبرى والتي أوصلت الولايات المتحدة إلى الأدوار الأولى في العالم وحلت إمبراطوريات القارة وأسست الظروف لإخراج روسيا من المدار الأوروبي وهيأت الأسس للمجابهة القادمة، ثم أتت الحرب العالمية الثانية لتحرم الدول الأوروبية الكبرى ليس فقط من دورها العالمي بل ومن قدرتها على التصرف ضمن القارة الأوروبية نفسها، إن قواعد اللعبة من حينها وصاعداً أصبحت بيد الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحدد لأوروبا انهيار النظام الاستعماري، صفة اللاعب من الدرجة الثانية على الساحة الدولية الذي يتحرك في ظل المجابهة بين القطبين الأكبر في العالم.
انحلال الاتحاد السوفييتي كان فرصة بالفعل لأوروبا للعودة وبقوة إلى الساحة الدولية وكان بإمكانها ملء الفراغ الذي تركه الاتحاد السوفييتي على الساحة الدولية وخاصة أن الصين الدولة المرشحة الرئيسة لمنافسة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي كانت غير جاهزة لدخول الحلبة السياسية الدولية وروسيا ضعيفة للغاية وغارقة في مشكلاتها الاقتصادية والسياسية الداخلية، لكن أوروبا لم تستطع أن تغير الدور الذي رسم لها طيلة فترة الحرب الباردة وهو البقاء في ظل الدور الأميركي والمكمل له فهي من ناحية لم تتمكن من زيادة نفوذها في مستعمراتها السابقة التي استمرت في السباحة في الفلك الغربي زمن الحرب الباردة لكون الولايات المتحدة استحوذت على الدور الأكبر فيها ومن ناحية أخرى فإن التأثير في الدول النامية التي كانت في الخندق الآخر من المجابهة بين القطبين الدوليين كان يتطلب من الدول الأوروبية أن تؤدي دوراً مستقلاً تماماً عن الدور الأميركي يحاكي المشكلات والقضايا العادلة لهذه الدول بما يتناسب مع مصالحها القومية والوطنية ومصالح أوروبا القومية والوطنية أيضا، لكن عدم تمكن دول أوروبا من تغيير مسار سياستها الخارجية جعل دورها يتراجع من المرتبة الثانية الى المرتبة الثالثة وربما الرابعة أيضا وهذا يعني فقدانها لأي دور مؤثر وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
فمن جهة يتوافد ممثلو دول أوروبا إلى المنطقة منادين بإقامة شراكة مع دولها ومن ناحية أخرى يأتون للضغط على دول المنطقة كي تتخلى عن دعم المقاومة وتارة أخرى يأتون في طلب المساعدة لإطلاق سراح شاليط الأسير الوحيد لدى العرب مرددين المطالب الأميركية والإسرائيلية متجاهلين في الوقت نفسه أن إسرائيل هي من يحتل أراضي عربية ويهدم يومياً منازل الفلسطينيين ويهود المعالم العربية في فلسطين وهي من يحاصر مليون ونصف فلسطيني في غزة بعد أن شنت حرباً مدمرة ضدهم، يطالبون بإطلاق سراح شاليط الذي أسر وهو يطلق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين في غزة ويدعون بذلك الجانب الإنساني متجاهلين أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني وعربي بينهم نساء وأطفال في سجون الاحتلال الصهيوني، يتعرضون لشتى أنواع التعذيب.
وعندما أشاع الكيان الصهيوني خبر نقل صواريخ سكود للمقاومة في لبنان ازدحمت عواصم المنطقة بالوفود الأوروبية التي قدمت للاطمئنان على صحة الخبر قبل أن تدرك أن الكيان الصهيوني أراد من وراء ذلك الحصول على مئات ملايين الدولارات من الولايات المتحدة لمشاريعه العدوانية.
والآن تعلن فرنسا وقف بث قناة الأقصى الفلسطينية على القمر الصناعي الذي يصل القناة مع مشاهديها الأوروبيين تحت ذرائع إسرائيلية وأميركية متجاهلة تماما كل القوانين والأعراف الدولية والفرنسية التقليدية التي تنادي بالحرية كون الأمر يتعلق بمخاوف الكيان الصهيوني من الحقائق التي تبثها القناة عن معاناة الشعب الفلسطيني، الذي يقبع جزء منه تحت الاحتلال والجزء الآخر في مخيمات الشتات.
إن أوروبا لن تتمكن من لعب أي دور مؤثر في المنطقة ومصالحها الاقتصادية سوف تتراجع أكثر فأكثر ما دامت سياساتها تتماهى مع السياسات الأميركية والصهيونية وإذا ما أرادت أن يكون لها دور مؤثر على الساحة السياسية في المنطقة- وهي تريد ذلك بالفعل- عليها أن تتخذ عدداً من المواقف أهمها:
أولا: الاعتذار عن وعد بلفور واعتباره جريمة بحق الفلسطينيين والعرب.
ثانيا: الاعتذار عن احتلالها للدول العربية في القرن الماضي.
ثالثا: وقوفها ودعمها للمقاومة العربية المسلحة ضد الاحتلالين الصهيوني والأميركي.
رابعا: مطالبة رعاياها من اليهود المهاجرين غير الشرعيين في فلسطين بالعودة إلى ديارهم.
خامسا: أن تعمل لتكون منابرها في المحافل الدولية داعمة لقضايا دول المنطقة العادلة.