|
أحقاً ينهار الغرب بإنهيار إسرائيل؟ شؤون سياسية تصرفوا منذ قرصنتهم الإجرامية في المياه الدولية في البحر المتوسط، وجريمتهم الموصوفة باغتيال عدد من المدنيين الأبرياء والناشطين الإنسانيين وكأنهم فوق القانون والمساءلة.. ويبدو أن صورة تقرير غولدستون أقضت مضاجعهم فجهدوا لكي لاتتكرر، من هنا جاءت لعبتهم المباركة من (الرباعية الدولية) بمحاولة الالتفاف على مطلب إنهاء الحصار عن مليون ونحو ثمانمئة ألف إنسان- بإعلان حزمة من الإجراءات التي (تخفف حدة الحصار وتمنطقه وتبرره)، وفي الوقت عينه نصّبوا أنفسهم (محققين) وقضاة على أنفسهم- تهرباً من القرارات والإرادة الدولية المطالبة بلجنة تحقيق دولية مستقلة (على غرار لجنة غولدستون)، وأكثر من ذلك كرروا أنهم سيتصدون لأي محاولة لكسر الحصار البحري الذي يفرضونه على القطاع، وذهب الأمر بوزير الحرب إيهود باراك إلى حد تحذير الأمين العام للأمم المتحدة من أمرين: الإصرار على لجنة تحقيق دولية مستقلة، واتخاذ المجتمع الدولي أي إجراء بحق (إسرائيل) في حالة تصديها من جديد لقوافل وسفن فك الحصار التي تقصد القطاع لدواع إنسانية وبوعي كامل كونها لاتمارس عملاً خارج إطار ونصوص القرارات الدولية وحقوق الإنسان.. مع أن التهديدات مستمرة والحصار مستمر وكلاهما مناقضان للقرارات والقوانين الدولية. ولأن ثمة من يرى في الكيان الصهيوني (الامتداد المتحضر للغرب الديمقراطي) من جهة و(كونه دولة ديمقراطية في محيط من الكراهية) من جهة ثانية- وإنه في الحقيقة المستترة حتى وقت قريب (التعبير الحي عن بقاء الاستعمار الغربي) البغيض- والذي أفل بفعل نضال شعوب المنطقة والعالم، فلقد وجد بعض الساسة من مؤيدي الصهيونية الفرصة مؤاتية للدفاع عن (إسرائيل) كونها جزءاً (من الغرب)- وذا هو بيت القصيد الذي دفع خوسيه ماريا أزنار (رئيس الوزراء الإسباني السابق) إلى نشر مقالة في التايمز اللندنية في (17 حزيران الجاري) حاول فيها أن يربط (الشعوب والدول الأوروبية) مصيرياً بمصير الكيان العنصري العدواني الصهيوني المزروع بالقوة والغصب في القلب العربي. وبدلاً من أن يكون ناتج المقالة والتبريرات التي ساقها أزنار في مصلحة (أوروبا) جاءت النتيجة معاكسة تماماً، لقد ربط أزنار بين العدوانية الصهيونية (والغرب)- وحاول التنصل من عوامل الربط المباشرة والحيوية والمصلحية بين الاستعمار الغربي ووجود (إسرائيل)، هل ننسى أن (سايكس بيكو) و(وعد بلفور) كانتا قبيل نشوب الحرب العالمية الثانية بأكثر من اثنين وعشرين عاماً؟ وهل يمكن تصديق مزاعم أن التأييد الأوروبي والأميركي لقيام (إسرائيل) إنما جاء في أعقاب الحرب العالمية الثانية فقط؟ أي في حمأة الإحساس الغربي بوجع الضمير نتيجة المحرقة، الصهيونية حركة استعمارية مندغمة بمطامع الغرب الاستعماري منذ القرن التاسع عشر، وكان وجود (إسرائيل) مصلحة (استعمارية) لعدة أسباب في مقدمها موقع فلسطين الجغرافي (من الوطن العربي ومن العالم) وكون المنطقة حاضنة أساس لمحرك (القوة الاقتصادية والعسكرية) في العالم كله (النفط). سيكون أزنار على حق إن كان يقصد أن انهيار (إسرائيل) انهيار للغرب (الاستعماري)، وسيكون على حق بزعم أن (إسرائيل) هي خط الدفاع الأول عن المطامع الاستعمارية للغرب الاستعماري- لا الحضاري ولا الديمقراطي- بالتالي فإن انهيار المشروع الصهيوني هو الانهيار الفعلي للمشروع الاستعماري الغربي في قلب وطننا العربي وفي عالمنا الإسلامي و(بشقيه الاستعمار المباشر قديماً وغير المباشر حديثاً). كما أن الزعم أن تخلي الغرب عن الدفاع عن مواقف وسياسات ووجود وعدوانية وتوسع الكيان (الإسرائيلي) هو خطأ استراتيجي يفصح عن وجود حي للعقلية الاستعمارية الاستعلائية - إن لم نقل العنصرية - في رؤوس غربية (مميزة) مع الأسف، وأكثر من ذلك فالتزييف الواضح للحقائق التاريخية لايمكن تبريره إلا بالانسياق الأعمى وراء متطلبات عنصرية بعينها، فكيف يكون الربط بين القاتل والضحية على النحو أو الصورة التي حاول أزنار إبرازها بقوله: إن نزع (العنصر اليهودي) عن العلاقة بين المسيحية و(إسرائيل) ضياع لإسرائيل وللغرب معاً (لأنها- أي إسرائيل- جزء أساسي من الغرب) كما يقول أزنار؟ لماذا تجاهل تعايش الأديان السماوية الثلاثة في ظل الإسلام طوال القرون الماضية في فلسطين والوطن العربي والعالم الإسلامي؟. حسن جداً: إذا كان هذا المنطق الغريب سائداً في أوساط غربية واسعة انطلاقاً من قناعة تقفز من فوق الاستعمار وأسبابه وعوامل انهياره، فلماذا التخلي إذاً عن (كون إسرائيل جزءاً أساسياً من الغرب) ومحاولة فرضها علينا وإلقاء نيرانها في قلب بيوتنا وأحلامنا المشروعة والبسيطة والنبيلة الطبيعية، وتهديد مستقبلنا وسلب حقوقنا وأمن وسلام العالم كله؟ لماذا لايتم دمجها جغرافياً بالغرب مادام الغرب سينهار بانهيار المشروع الصهيوني المناقض لحركة ومسار التاريخ، لترتاح أوروبا ويرتاح العالم وتعود الحقوق لأصحابها العرب في فلسطين وفي كل أرض العرب؟ وكما يقول المثل العربي الشهير (جحا أولى بلحم ثوره). nawafabu lhaija@yahoo.com
|