وذلك عقابا له على تصريحات صحفية كشف فيها بعض عيوب صناع القرار في واشنطن وسخر من أسلوب التعاطي الأميركي مع المسألة الأفغانية.
المهم في هذه الإقالة وفي توقيتها أنها جاءت في أحلك أيام الحرب الأميركية في هذا البلد حيث يتساقط الجنود الأميركيون الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف تحت ضربات حركة طالبان التي لطالما جعلت من فصل الصيف أقسى فصول الجحيم الأفغاني على جنود الناتو بمن فيهم الأميركان، ولعل أهم مؤشرات الإقالة أنها تكشف عمق الفشل الذي تعاني منه الإستراتيجية الأميركية في مجال مكافحة ما يسمى الإرهاب والتي لم تستطع منذ اعتداءات 11 أيلول أن تحدد ماهية ومعالم العدو الذي تحاربه، أو تدعي لنفسها انجازا واحدا يمكن الوقوف عنده سوى تدمير أفغانستان وإعادتها إلى العصور الوسطى على مختلف الصعد الإنسانية والسياسية والأمنية والاقتصادية.
فما زال القادة الأميركيون ـ رغم مرور نحو تسع سنوات من تجريب مختلف الاستراتيجيات العقيمة ـ يعترفون بصعوبة الوضع في أفغانستان ويتحدثون عن جسامة التحديات التي تنتظر جنودهم هناك، على وقع دعوات داخلية لتسريع الانسحاب من أفغانستان وتغيير الإستراتيجية المعتمدة حاليا، إلا أن صقور الإدارة الأميركية الباقين من حقبة بوش الابن ما زالوا مصرين على البقاء في المستنقع الأفغاني حتى آخر نفس غير آبهين بالخسائر البشرية التي تقع من الطرفين والتي تبقى كفتها راجحة جدا لمصلحة الشعب الأفغاني المسكين.
بطبيعة الحال فإن مجريات الأحداث ليست في صالح الأميركيين مهما طال الزمن، فالأرض الأفغانية تعرف بمقبرة الأمبراطوريات، وليس لدى الأفغان أكثر مما خسروه في هذه الحرب المجنونة، فمن الواضح تماما أن الولايات المتحدة وهي أكبر امبراطوريات العصر الحالي وأكثرها طغيانا لم تتعظ بعد من دروس فيتنام ولا من دروس العراق القريبة، لأن تكليف بترايوس متسلحا باستراتيجية ماكريستال ذاتها وهو صاحب التجربة الفاشلة في العراق يؤشر إلى سيناريو أميركي بائس سيدفع تكاليفه الباهظة بكل تأكيد باقي حلفاء واشنطن ممن باتوا أشبه بشهود الزور على المسرح الأفغاني.
hsauood@yahoo.com