والصقر (اللين) إيهود باراك. المهم بالأمر، في آخر المطاف سيعترف بنيامين نتنياهو بمبدأ الدولتين للشعبين. لأن الوقت أصبح ضيقاً بالنسبة لأوباما لأنه بالأصل دخل البيت الأبيض من باب الوقت الضيق الذي لا يسمح كثيراً بالتسويفات كما كان عليه الأمر في السابق، إدارة أوباما كما تبدو الأمور الآن لن تكتفي بـ «الاعتراف بالمبادئ أو بالتصريحات أو بالنيات أو بالقمم الدولية الاستعراضية الأمر الذي سيفرض على أوباما وهيلاري كلينتون استخدام أدوات قياس مختلفة عن سابقاتها أي أدوات تقيس الأمور بالأفعال وبما يتجاوز حسن الخطاب الذي كان سائداً.
فباراك أوباما حسب ما تقدمه المعلومات محاط اليوم بأشخاص عملوا في منطقة الشرق الأسط وجربوا بأجسادهم ضراوة الصفيح الساخن الذي تعيشه المنطقة حتى في أيام شتائها البارد ومدى صعوبة الناس فيه، هؤلاء على ما يبدو بدؤوا بالشروع بطرح مشروع على بينامين نتنياهو يتضمن ائتلافاً، سيضع نتنياهو أمام حرج كبير إما الدخول داخل هذه الحلقة أو البقاء في الخارج مع من يسمون بالقاموس السياسي الأمريكي هذه الأيام أبناء الظلام.
وخاصة إذا ما علمنا أن باراك أوباما يعرف أن معالجة الملف الإيراني ستوجب دعماً دولياً وهذا الأمر لن يحصل عليه إلا بتفاوض مع الإيرانيين ومن خلال أياد نظيفة بعيدة عن تقطيع الوقت أو العبث في استخدام القوة.
وسيجد نتنياهو نفسه أمام حل الدولتين (فلسطينية والأخرى إسرائيلية) وفقاً لتصور بوش وتصور كلينتون وكذلك تصور أوباما الجديد.
هذه اللعبة الوحيدة بعد أن سقطت كل الألعاب بما فيها النارية الدامية التي باءت بالفشل في الجنوب اللبناني وقطاع غزة. نتنياهو من جانبه كثعلب آخر كما الآخرين في إسرائيل أعلن عن «إعادة تقديم» السياسة في هذه القضية ولكنه سيصل في آخر المطاف إلى نفس المكان الذي يقود إلى نفس الطريق المسدود لكن دون أن يتجاهل الثلاثي المتطرف في إسرائيل (نتنياهو باراك ليبرمان) إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عازم على اختراق هذا الطريق المسدود بعد أن سدت الطرق بوجه المصالح الأمريكية وتراجعت هيبة الحلفاء وتراخت قبضتهم الحديدية بقوة الممانعة الشعبية والرسمية الكبيرة في المنطقة.
من جهة إذا ما بقي نتنياهو خارج لعبة أوباما سيحول إسرائيل شيئاً فشيئاً إلى دولة شبه مارقة أو دولة خارج المنظومات الدولية على أقل تقدير.
من هذا المنظور أو هذا الواقع إذا شئت ليس بإمكانه أن يبقى خارج دائرة الفعل، هو سيعترف بمبدأ الدولتين وسيبقى ذلك لأوباما، من جهته نتنياهو يحاول الآن بلورة صياغات انقاذية على شاكلة مبدأ الدولتين حيث تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وذات قدرات اقتصادية.
في ظل هذا الوضع يترك الأمور غامضة ويؤكد على الجانب الاقتصادي: هو معني بالشروع في القضية الاقتصادية والسير في المراحل الأولى عليها فقط من أجل كسب الوقت.
الآن أصبح واضحاً أنه لن يشتري الوقت بهذه الطريقة، الأمريكيون والفلسطينيون والعالم العربي لن يشتروا هذه البضاعة.
السؤال هو إن كان نتنياهو قادراً على تبديل القرص وإن كان بامكانه أن يعيد خلق نفسه وفلسفته واستغلال الفرصة التاريخية التي سنحت له والتي لن تتكرر.
أما المتفائل على الدوام كالعادة شمعون بيريس في المحادثات المغلقة فيقول: إن نتنياهو سيسير على هذا المسار وليبرمان سيظهر بصفته الشخص الأكثر براغماتية في الائتلاف وشاس لا مشكلة كذلك الحال مع يهودت هتوراه عندما يقود تكتل اليمين شيئاً يكون الأصوليون في الداخل، بيريس حسب تقديرات بعض المقربين في حالة نشوة تقريباً، يقول عن نتنياهو كلمات دافئة وحتى حول إيهود باراك لديه استعداد لقول بضع كلمات طيبة.
بيريس هو الذي باع نتنياهو نظرية «السلام الاقتصادي» ولكن بيريس يتحدث أيضاً عن السلام «السلام الإقليمي» والمفاوضات مع الدول العربية على أساس مبادرة السلام العربية.
في هذه الأثناء يواصل خططه لتفكيك «كاديما» وعيونه مفتوحة وحملة مشترياته لم تنته بعد فلدى نتنياهو صدمة من الائتلافات الصغيرة غير المستقرة والقائم حالياً.
وهو رغم نجاحه في تشكيل حكومته الراهنة لكنه معني بضم أكبر عدد ممكن.
اليوم فقط يتضح حجم حملة المشتريات السابقة التي قام بها والتي بدأت مع رافي ايتان الذي قابله نتنياهو في تشرين الأول الماضي سراً في مكاتب إيلي لانداو وانتهى بصفته وزير المتقاعدين في حكومته المستقبلية.
ايتان ولانداو نفيا ذلك في حينه، اليوم أصبح واضحاً انهما لم يقولا الحقيقة.
الحملة تواصلت مع شاس التي حصلت على كل ما أرادته تقريباً ومع الأصوليين الاشكنازيين الذي حصلوا على وعود مشابهة وعندما أدركت تسيبي ليفني أنها لاتمتلك حكومة أدرك نتنياهو أنها موجودة بين يديه.
السؤال ما الذي سيفعله مع هذه الحكومة وإلى أين سيقودها؟.
الواقع بعيداً عن الاجابات بالنيابة إن حركة نتنياهو الواسعة في توسيع القاعدة الحزبية لحكومته تأتي ايذاناً لما سيحصل على المستويين الدولي والإقليمي وخاصة إذا ما علمنا أن جزءاً من يهود العالم وخاصة المتواجدين في الولايات المتحدة بدؤوا بطرح الحلول البديلة التي تفضي إلى دولة ثنائية القومية إذا ما تعذر إقامة حكومتين لشعبين.
هذه المرحلة بالذات من أكثر المراحل خطورة بالنسبة لإسرائيل فقد فرغت تماماً من استخدام القوة الناعمة والمتوسطة ولا يمكنها أن تخلق واقعاً -غير القائم- راهناً، لذلك باتت مضطرة للإجابة عن كل المشاريع المطروحة وخاصة بعد أن أثقلت الدبلوماسية الغربية من انحيازها السافر والمكشوف الذي بدأ يفقدها مصداقيتها بين شعوبها أولاً وقبل أي شيء آخر.
ولعل من نافل القول إنه إذا ما فشلت المساعي الأمريكية ستحدث في المنطقة جملة من المتغيرات البنيوية الحقيقية، وهذه الحقيقة أو الحقائق بات صانع السياسة في البيت الأبيض يدركها بصرف النظر عن لونه أو دينه أو موقفه الايديولوجي.
أما السؤال الأكثر أهمية فهل ينجح أوباما في إرساء واقع جديد؟ أم سيواجه بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية الحادة بداية تراجع الامبراطورية الأمريكية ليدخل العالم إلى عالم متعدد الرؤوس والأقطاب؟.