|
انفلونزا الخنازير ومؤازرة الخنزرة الإسرائيلية! شؤون سياسية على الثورة الكوبية انطلاقاً من خليج الخنازير قبل نحو نصف قرن، وما لقيه الغزو من إخفاق استوجب مراجعة عاجلة في واشنطن كالمراجعة الجارية الآن بتريث حيال الشرق الأوسط، مع ما تثيره المراجعة في الحالين من قراءة مقارنة لاتخلو من طرفة. الذي حدث في 1961 أن وكالة العمليات القذرة، وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (c.i.a)، نظمت العدوان على كوبا من وراء ظهر الرئيس جون كينيدي كما قيل. وبسبب إخفاق العملية لاسواه، أمام المقاومة الكوبية الوطنية الباسلة، ووقوع عدد من مسؤولي الوكالة أسرى، استبد الغضب بالرئيس كينيدي على أداء ال c.i.a، إلى حد الاستجابة لمطالب هافانا، وفيها مقايضة أسرى الوكالة بعدد من الجرارات الزراعية، يتحدد تبعاً لأهمية الأسير وموقعه، فهذا مقابل 17 جراراً، وذاك مقابل 49، وثالث مقابل 105، الخ أي أن النظام في كوبا، نظام كاسترو وتشي غيفارا، وراؤول كاسترو، بني على انتصار المقاومة في صد غزو خليج الخنازير، فحصل على مستلزمات زيادة الإنتاج الزراعي في مواجهة الحصار الامبريالي الأمريكي، والمستمر حتى الآن، رغم اعتراف الرئيس باراك أوباما أن حصار كوبا سياسة سيئة. أطلق الكوبيون على غزاة خليج الخنازير، وفيهم معارضون كوبيون معادون للثورة ترعاهم ال c.i.a، وصف الخنازير، من باب التحقير. وهنا معقد المقارنة بين مراجعة كينيدي العاجلة لأداء ال c.i.a وخنازيرها، وبين مراجعة أوباما المتريثة لسياسة غطرسة القوة في الشرق الأوسط التي كان لوكالة العمليات القذرة باع طويل في صنعها، وفي خيبتها المشهودة، بطبل وزمر. إذ إن لخنازير ال c.i.a قبل نصف قرن في الكاريبي نظراء في الساحة العربية، في رجال الوكالة نفسها، وفي عملائها وقواعدهم اللوجستية وجيشهم الإعلامي، ذي العقيرة العالية والصاخبة ضد كل ما هو إيجابي ونبيل ومقاوم في الحياة العامة العربية للتعسف الأمريكي وللعدوان الاسرائيلي المتصل على أراضي العرب وحقوقهم، حتى بعد ممارسة الجنرال كولن باول شجاعة النطق بالحق، وهو يعترف أن الأجهزة الاستخبارية الأمريكية ضللت «البيت الأبيض» قبل غزو العراق. فالخنزرة، بالأذن من ضحايا وباء الانفلونزا الداهم، ذات طبيعة مستمرة في أداء ال c.i.a منذ تأسيسها بقيادة آلن دالس أبان الحرب العالمية الثانية وحتى يومنا الحاضر، ولامسؤولة ومؤذية للسلم والأمن الدوليين، وللولايات المتحدة نفسها آخر المطاف، كما لمس كينيدي و... ربما يلمس أوباما هذه الأذية، وفاقاً لروح النص في الطرفة المصاغة بأسلوب (كليلة ودمنة)، وهي أن رجلاً سأل خنزيراً يعيث فساداً في حقل من الذرة بعد أن شبع لحد التخمة: لماذا تخرب؟ فأجابه الخنزير: هذه هي الخنزرة! وإلا كيف تكون!؟ فهل في المستطاع التصدي لخنازير السياسة الأمريكية في المنطقة العربية دافعي الماء إلى طاحونة الكيان الصهيوني؟ ثكالى النهج المقاوم في الدنيا العربية رفضن رفع الراية البيضاء، وقلن: نعم، بالصبر والتصميم على استعادة الحقوق المغتصبة، وحتى مع الدموع والدماء يمكن دحر الخنزرة المعيقة للمقاومة. ولكن، هل في وسع الرئيس أوباما، دون أن يلقى مصيراً «غامضاً» كمصير الرئيس كينيدي، أن يعاين الخنزرة الاسرائيلية، ودور خنازرة سياسة بلاده في الوطن العربي المسمى «الشرق الأوسط» في التخريب المبرمج لعملية لسلام، التي قالت الوزيرة كلينتون: إنها مصلحة قومية للولايات المتحدة؟ نحن لانحمل أوهاماً في تباين يمكن أن يطفو على سطح المشهد بين الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي، بالانشداد إلى بون يبدو شاسعاً بين المتقصد من مراجعة أمريكية لسياسة خائبة اعتمدتها الإدارة السابقة، وبين عنصرية صريحة لحكومة نتنياهو - ليبرمان. فالعلاقة الناظمة للولايات المتحدة و«اسرائيل» استراتيجية، وموثقة بنصوص معاهدات مبرمة، وملزمة لهما، وعابرة للإدارات المتعاقبة لدى الطرفين، فوق أن هذه المعاهدات، (وآخرها المعاهدة التي وقعتها الوزيرتان: رايس وليفني بعد أن فاجأت غزة، بصمودها خنازير العدوانية الاسرائيلية، المعاهدة القاضية بتشميل الشاطىء الفلسطيني والمصري في أعمال مراقبة الناتو العسكرية لمنع خرق الحصار الاسرائيلي المضروب على قطاع غزة منذ أن اصطفى شعب فلسطين حركة حماس، بانتخابات عامة، لقيادته) .. أقول: إن هذه المعاهدات تعبير إجرائي تنظيمي لطبيعة بنيوية واحدة للنظام الامبريالي الواحد: الرأسمالي الأمريكي والعنصري الصهيوني. والترجمة الإجرائية لهذه العلاقة تتمظهر في تزويد واشنطن ل «اسرائيل» بأسلحة من مختلف الأصناف، وفيها المحرمة دولياً، وبنوعية وكمية تجعلها متفوقة على العرب مجتمعين، إلى الدرجة التي تجعل من مطالبة واشنطن بالضغط على «إسرائيلها»..، نوعاً من الخنزرة المنصرفة فقط إلى تضليل العرب عما يجب عمله. زد على ذلك جهوزية اللوبي الصهيوني في أمريكا، بشطري تكوينه: اليهودي والأمريكي المتصهين، لتكثيف صناعة القرار الاسرائيلي بما يلائم المصلحة الاستراتيجية العليا ل «إسرائيل» بخاصة، حتى مع تآكل في مصلحة أمريكا. وقد سبق للقائد الاستراتيجي العظيم حافظ الأسد أن قرأ الإفراز السياسي لهذه العلاقة البنيوية، في مقولته الأخيرة: «ليس هناك سياسة أمريكية في الشرق الأوسط، بل سياسة اسرائيلية تنفذها الولايات المتحدة.» وهنا الميدان الفسيح للخنزرة الاسرائيلية، ومقبرة الرغبات في أن يأتي يوم تضغط فيه أمريكا على هذه ال «اسرائيل» لتحقيق السلام! من هذه الزاوية فإن الضخ الإعلامي المتواتر والمتصاعد لتركيز وكالة صنع السلام حصرياً بيد واشنطن، ليس إلا خنزرة تخريب على البديل الواقعي، وهو النهج المقاوم وقواه العربية وجدرانه الاستنادية في الأقليم والعالم، وحتى إن تبرجت هذه الخنزرة ب «الواقعية» الزائفة أثناء الجري في الملعب الأمريكي المفتوح على ما يلائم مصلحة «إسرائيل»! وإذ نستأذن ثانية ضحايا انفلونزا الخنازير في هذه المقارنة، نشير إلى أن الخنزرة في السياسة العربية صارت وباء يستوجب المعالجة درءاً للكارثة في مؤدى «الواقعية» الزائفة، المروج لها في الضد من واقعية المقاومة التي ترغم واشنطن على الحوار مع دمشق وطهران كي تتمكن من الإفلات، بأقل الأثمان، من ورطة غزو العراق، تفعيلاً لمراجعة متريثة يجريها الرئيس أوباما، تستعيد دروس المراجعة العاجلة التي أجراها الرئيس كينيدي حيال خنازير ال . c.i.a. siwan.ali@gmail.com "> siwan.ali@gmail.com
|