وخلال تدريسي في المعهد وتعرفي على هيئته التدريسية وكثير من طلابه تولَّد لدي انطباع هو إلى الواقع أقرب: أن طلاب المعهد بوعيهم وسلوكهم ونفوسهم المتمردة وخياراتهم الحرة يفضلون طلبة الجامعة.
وعندي أن المعهد العالي للفنون المسرحية يمكن أن يتحول إلى مصنع مهم من مصانع إنتاج النخب التنويرية, وآلية ذلك أن الطالب في هذا المعهد قد اختار الانتماء إلى فضاء رحب من الأفكار واللعب والإبداع.
ولما كان حرا في خياره فإنه سيتطابق مع نفسه ولن يعيش حال الاغتراب بين ما أراد أن يكون وبين ما هو كائنه, وليس أدل على صحة قولنا من أن أغلب الممثلين المبدعين من الشباب هم خريجو هذا المعهد العتيد, وإذا كان الأمر هكذا وهو هكذا فالاهتمام بالمعهد شكلا ومضمونا أمر في غاية الأهمية.
الاهتمام بطلابه وأساتذته ونشاطه وإبداعه اهتمام يتطابق مع المهمة الجليلة التي يقوم بها في عالم الثقافة الروحية.
وإني لأتساءل أولا: ما الحكمة من تعيين عميد للمعهد من خارج كوادر المعهد؟ وإني لأعتقد أن لا حكمة في ذلك أبدا.
ترى بماذا يتفوق أستاذ في كلية الآداب ينتدب عميدا للمعهد على د. سامر عمران وعلى فايز قزق من كوادر المعهد.
الجواب أن العكس هو الصحيح، إن أي كادر من كوادر المعهد التدريسي يتفوق بما لا يقاس على أي وافد لإدارة المعهد من خارجه, وهذا الأمر بدهي, فكادر المعهد هم أهل مكة وأهل مكة أدرى بشعابها.
بل ولتصيبني الدهشة كيف يرضى شخص لإدارة المعهد العالي للفنون المسرحية, وهو ليس بكاتب مسرحي أو مخرج أو ممثل أو موسيقي أو راقص بل وليس بناقد مسرحي أو سينمائي, ولعمري أنه يجب وضع حد لكل ذلك.
وإني أتساءل ثانيا: لماذا الشح في صرف الأموال على المعهد؟
لماذا هذه الرواتب المتدنية لكادره التدريسي؟
لماذا لا يعاملون معاملة أساتذة الجامعات؟
لماذا هذا الشح في مكافآت المحاضرين من خارج المعهد؟
قد لا يصدق القارئ أن مكافآت المحاضر للساعة التدريسية هي أربعون ليرة سورية فقط, ثم تجرى إضافة أربعين ليرة أخرى بطريقة لم أفهمها فتصبح مكافآت الساعة ثمانين ليرة, ولهذا فالمحاضر من خارج المعهد يدرس محبة بالطلاب وبالموضوع, واحتراما لطلب عميد المعهد ليس إلا.
لماذا لا تكون للمعهد ميزانية خاصة تسمح له بتمويل نشاطاته وإيفاد طلابه وأساتذته إلى بلدان المسرح المتقدم, ليعودوا وقد اكتسبوا خبرة تنهض بالتجربة المسرحية؟ لماذا؟.