هذه الكلمات المصدَّرة، تنتهي مع أول قراءة لسطر في دراسة نقدية أو مقال نقدي يتعرض لأحد مؤلفات الكاتب المصدِّر لتلك العبارات الرنانة، ويقع صاحب الدراسة أو المقال في فخ لم يكن يدركه.
حالة رفض النقد هذه سمة سائدة بين أغلبية الكتّاب العرب، حيث نادراً ما يقف كاتب عدة دقائق ليفكر فيما كتب عنه، بل يمسك قلمه ويبدأ بتشريح صاحب المقال والرد عليه بقسوة، هي أقرب إلى الثأرية. ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل سيجند عدداً من مريديه وأصدقائه لينالوا من ذلك الذي تجرأ وأبدى رأياً. ثم - ومن دون أن ينسى دوره الثقافي - يطلق تعريفات براقة حول ضرورة النقد وفاعليته في الحراك الثقافي. وبهذا يكون قد قطع الطريق على كل أولئك الذين يعتبرهم متطفلين على الأدب والثقافة.
ربما هو كلام لا معنى له، وربما لا يكون علينا قوله في كل مناسبة، لكننا لا نجد بداً من ذلك، ونحن نستمع إلى المدائح الشديدة التي تقال بحق مؤلفات ربما لا تحقق الحد الأدنى من الموهبة الإبداعية، أو تكون مقبولة في حدها الأعظمي. ومع ذلك فأقل ما يقال فيها إنها فتح في الكتابة الحداثية، أو إنها كتابة جديدة على المستوى العربي.
يزداد يوماً بعد يوم ابتعاد النقد عن الكتابات الجديدة، ويتأكد كذلك تخلف النقد العربي الأدبي، حتى غدا شبه موجود، رغم وجود أسماء مهمة. وتواجهنا تساؤلات كثيرة، حول إمكانية مواكبة النقد للنتاج الثقافي السائد، وحول أهمية النقد في تصويب – أو على الأقل – قراءة المنتج وإعادة قراءته ووضعه في المكان المناسب له.
النصوص متحولة على الدوام، وهي ليست ملكاً لأصحابها في اللحظة التي أصبحت أمام عيون القراء. ومع القراءة المستمرة تصبح النصوص غير ما كانت عليه، وهذا في صالحها وليس ضدها. ولكن مع التعنت المستمر من قبل الكثيرين من الكتّاب وإصرارهم على جودة منتجهم، تحافظ نصوصهم بالنسبة إليهم على ثباتها، وتجمد في الصفحات البيضاء، من دون أن تتحول إلى كتابة جديدة آنية مع كل قراءة.