تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تدبير البؤس أيضاً

ملحق ثقافي
5/5/2009م
إبراهيم محمود

حول (أنطولوجيا الشعر السوري(في إطار احتفالية دمشق لعام 2008، ظهرت ( أنطولوجيا الشعر السوري) في 1550 صفحة من القطع الوسط نسبياً، موزعة على أربعة أجزاء،‏‏

‏‏‏

وبالتسلسل: 230- 204- 508- 608، وفي إطار تاريخ يشمل قرناً وربع القرن، والذين ضمتهم الأنطولوجيا هذه كانوا 127شاعراً تحديداً، وبالتسلسل(30-10-26-63) مع المكرر، وكل الذين قاموا بعملية التقديم وبرؤية نقدية محددة مع الاختيار هم شعراء، وبالتسلسل أيضاً( د.سعدالدين كليب- شوقي بغدادي- منذر المصري- خضر الآغا- رشا عمران)، حيث الجزء الأخير خُص بتقديم نقدي من قبل خضر الآغا، أما الاختيار فلرشا عمران .‏‏‏

وبالنسبة لي كمتابع لما ينشَر في ساحتنا الثقافية السورية قارئاً وباحثاً، لا بد من الثناء على هذا الجهد الجماعي رغم تحفظي عليه من خلال طريقة الأداء، وبغضّ النظر عن أي ملاحظة يكون المقروء أنطولوجيا إنجازاً ثقافياً رسمياً وشخصياً بالنسبة لمن قام به، فالذين تم ذكرهم لهم حضورهم، والذائقة الجمالية الخاصة بكل منهم لا يمكن الطعن فيها، حتى وأنا أكتب عنهم أتصورهم من خلال معرفتي الشخصية بطريقة ما بهم أي فيما هم عليه أدبياً ، ولعلي في فعل الاختيار سأركّز على جانبه الإشكالي، باعتباره أساس مادتي النقدية، وتوخياً للأفضل طبعاً، وكون الاختيار مهما تجلى موضوعياً يتضمن تعسفاً ما لا يمكن التحرر أو التطهر من “ لوثته”!‏‏‏

مسح تاريخي ومسبار نقدي‏‏‏

يقف المتابع متبلبلاً في حُمَّى الجاري، وكيف جاء الاتفاق بين أركان التقديم والاختيار والمساحة المعطاة لكل شاعر، وما الذي سيَّر فعل الاختيار الرباعي من خلال الثغرات التي تتعلق بمنظور القراءة النقدية وعملية الاختيار؟ كون الأنطولوجيا تسمّي أشخاصها معاً، وقد برز الاختلاف في طريقة التقديم والتعريف منطوياً على أكثر من سؤال يخص ركيزة الأنطولوجيا هذه ، حيث إن الذين وقع عليهم الاختيار لا يمكن الغمز من قناة أكثرهم ولكن المشكل هو في الجاري تجاهلهم باعتبارهم، على الأقل، مضاهين للكثيرين ممن اختيروا لحظة إجراء المقارنة تاريخياً أو وفق أي معيار نقدي أو ذوقي لتبين خلل المتحصّل ضمناً!‏‏‏

‏‏‏

نعم، لا بد من التساؤل عن الطريقة التي جاءت فيها المختارات، وحتى بالنسبة للتاريخ المحدد لكل جزء حيث عنون الأول هكذا( النصف الأول من القرن العشرين)، وتبدأ المختارات بـ” محمد البزم 1884-1955”، وتنتهي عند “ كمال خير بك 1935-1980”، فنكون إزاء نص قرن ونيف من خلال حصر التاريخ ذاك، وكأني بالدكتور كليب لم يجد بداً من هذا التأريخ ليكون في مستطاعه الإحاطة بتاريخ شعري ربما يتجاوز حدود أي باحث شعري خارج ما قام به، ولكن كيف يمكن فهم التفاوت الكبير بين شاعر وآخر( الأول والأخير مثلاً)، تُرى هل يمكن استيعاب الرؤية الجمالية للشعراء الذين وقع الاختيار عليهم وجدوى المهمة التعريفية المطلوبة من خلال الفارق الزمني واختلاف التاريخ وكذلك رؤية الشاعر الجمالية لذاته والعالم؟ وبالتالي ألا يأتي العنوان دون المشار إليه تاريخياً في السياق، وهذا ينطبق على الشعراء الذين تم إغفالهم لأسباب مختلفة لا أظن أن الذائقة النقدية الشعرية الطابع تشفع لها، فمن الشعراء الذين تم إغفالهم ولا يمكن تجاهلهم: أحمد علي حسن” تولد1914”، و عبدالمعين الملوحي” تولد 1917” وله مجموعتان شعريتان، وأنا أذكره على الأقل إزاء إيراده للدكتور عبدالسلام العجيلي الروائي والقاص قبل كل شي، وله مجموعة شعرية، ونذير الحسام” تولد1919”، وكمال فوزي الشرابي” تولد1920”، وأحمد سليمان أحمد” تولد1926” وله كم لافت من المجموعات الشعرية، ونهاد رضا” تولد1926” وله مجموعات شعرية كثيرة، وسعيد قندقجي” تولد1931”...الخ، إضافة إلى غياب يؤسف له تماماً لشاعري النثر السوريين المعروفين ومن رواده، أي:سليمان عواد” تولد 1922” واسماعيل عامود” تولد1930 “، حيث أورد اسميهما إزاء الراحل الماغوط الذي كان لاحقاً عليهما وهو المحسوب في خانة النثر الشعري بدوره. ومن الشاعرات: هند هارون” تولد 1928” وهيام نويلاتي” تولد1932”، وناديا نصار” تولد1934”...الخ، وعلى سبيل المثال فإن للشاعرة هيام نويلاتي مجموعات شعرية كثيرة( الهرب- القضية- المعبر الخطر..الخ). أسمّي هؤلاء، لأن ثمة اسمين فقط من (الجنس الآخر) هما فاطمة حداد وعزيزة هارون، وردا عنده.‏‏‏

أما في الجزء الثاني فهو معنون بـ( مرحلة الستينات)، والحديث يطال الجوانب الفنية أو الجمالية التي تميَّز بها الشعر السوري آنذاك، وحديثي لا يتركز على الشك في ذائقة القراءة عند الشاعر المخضرم بغدادي قطعاً، إنما على الطريقة من جهتها، حيث إن التحديد التاريخي وكذلك إدراج الأسماء المختارة لم ينمَّا عن وعي تاريخي فعلي يؤخَذ موضوعياً بعين الاعتبار، لقد بدأ بفايز خضور” تولد1942”، وانتهى بالماغوط” تولد1934” وقد ورد التاريخ خطأ عنده”1943”، وربما جاء سهواً، أما عبدالكريم الناعم فهو ترتيباً يأتي أولاً من جهة تاريخ التولد”1935”، وهذا يصله بالجزء الأول، عدا عن أن الماغوط الذي تكرر هنا، إذ ورد في الأول كذلك. واللافت هو غياب عنصر النساء هنا، وهذا يدعو إلى التساؤل والاستغراب أيضاً، على الأقل ناديا نصار، أو إقبال الرفاعي” تولد 1938” ، أما الشعراء الذين غيّبوا ضمن “ فترته” فكثر، كما في حال الراحل خالدمحيي الدين البرادعي وله أكثر من عشر مجموعات شعرية، بدلاً من الماغوط بما أنه ورد في الجزء الثاني، فيكون هناك اتفاق مسبق ومدروس بين المعنيين بالانطولوجيا، وسهيل إبراهيم، وممدوح السكاف، وياسين رفاعية...الخ.‏‏‏

المأساة والمهزلة‏‏‏

وأظن أن جملة الأخطاء التي “ ارتكبها” بغدادي في كتاب في جريدة والمتعلق بالشعر السوري( العدد 118-حزيران 2008) تكررت هنا، وعلى طريقة أحدهم أعلّق مضطراً: لقد كان ذلك مأساة في الحالة الأولى مهزلة في الثانية!‏‏‏

وما قيل حول الجزء الثاني يكاد ينطبق على الثالث وبشكل أكثر، وهو يحمل عنواناً خطَّافياً ( انعطافة السبعينات)، إذ يظهر تاريخ طويل، حيث يبدأ بحامد بدرخان”1924” وكان ينبغي إيراده في الجزء الأول، وينتهي ببيان الصفدي” تولد 1956” ويتكرر من هو محظوظ كذلك هنا، وأعني به نزيه أبو عفش، عدا عن أن التقديم للاسم هذا أو ذاك، بطريقة لا تخلو من عنصر المحاباة وما في ذلك من وصاية ما على القارىء لا تتطلبها الانطولوجيا بالذات ، فيحصل خلط في القراءة بين هذا الجزء والسابق وكذلك اللاحق عليه من جهة الأسماء التي اختيرت، ولا ينفع اعتذار الشاعر المصري عما سعى إليه في المخصَّص له، كما لو أن تسمية النية كافية لإبعاد أي شبهة ظنية فيما انطلق منه وتوقف عنده. وليأتي الجزء الرابع من خلال عنوان الرقمي1980-2008، أكثر إشكالية، نظراً لأن الذين تم اختيارهم ربما يقابل عدد الذين تم استبعادهم لأسباب لها صلة بأكثر مما هو اعتباري، حيث إننا لا زلنا نعيش الحدث الشعري ومن يمكن أن يكونوا “ أبطاله”، أو يستحقوا أن يكونوا “ضحاياه” تعسفياً، وعلى سبيل المثل يدرَج حازم العظمة في هذا الجزء وهو من مواليد 1946، بينما يأتي آخر وهو «قيس مصطفى» ومن مواليد 1987 ، ولتغيب أسماء لا حصر لها: إبراهيم يوسف، معشوق حمزة، أحمد الدريس، أحمد العباسي، أفرام اسكندر، جميل داري، أديب حسن محمد، منير خلف، خلات أحمد، نوره الخليف، محمد المطرود،عيسى الشيخ حسن...الخ، وهذه الأسماء المذكورة تنتمي إلى محافظة واحدة( الحسكة)، فكيف لو لجأنا إلى بقية المحافظات الأخرى بأسمائها الكثيرة؟ واللافت مجدداً هو اشتراك اثنين في الجزء الرابع، حيث يسهل التوقف عند هذه الحالة: الظاهرة، والسؤال عن الكيفية التي تم بها التقديم والاختيار. ومجدداً أردف: إنني أنتقد في رشاعمران طريقتها في الاختيار، وليس ذائقتها الشعرية حيث لا يمكن الطعن فيها بسهولة كما هو متصوَّر!‏‏‏

وإذا كان لي أن أقارن بين جزء وآخر من ناحية الأقرب إلى الممكن الأخذ به، يكون الجزء الأول الأكثر توازناً بتقديمه واختياره، رغم الملاحظات الموجهة له، سواء في طريقة التقديم أو الاختيار.‏‏‏

ألا يمكن الحديث هنا عن الطُّعم المزدوج الذي يخص الشعراء الانتقاديين، أي فيما بينهم ولاسوية الحالة الشعرية، وجانب الإسناد المقلق في الاختيار والتقييم لهذا أو ذاك وكيفية اختياره وأي اسم مجهول وراء فعل الاختيار؟‏‏‏

نعم هي احتفالية دمشق الثقافية ولكنها انزاحت في بعض جلي منها، احتفاليةَ ذوات فيما توخَّته نقدياً وذوقياً !‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية