المُباحثات الأميركية الفرنسية التركية تزدحم - هذه الأيام - بأجندات تتنافر في التفاصيل، وتلتقي في خطها العام، فمَعزوفة (المنطقة الآمنة) بات يّطرب لها الجميع، غير أن أحداً مما يسمى بـ (مجموعة العمل المشتركة) لم يتمكن من جمع أطرافها!.
اتصالاتٌ هاتفية أميركية مُكثفة مع الجانبين التركي والفرنسي، يُجريها جون بولتون، مايك بومبيو، تترافق مع تحركات على الأرض يقوم بها جيمس جيفري، الجنرال كينيث ماكينزي، والهدف الذي يجمعها: تحقيق تقدم بتنفيذ خطة دونالد ترامب إقامة (منطقة آمنة) تتسلمها قوات مُتعددة الجنسيات، وشركات أمنية خاصة، تعمل مع الذراع الميليشياوي الانفصالي، قبل سحب القوات الأميركية!.
في الجنوب السوري، وعلى الطرف الآخر من الحدود مع الأردن هناك نشاط أميركي ملحوظ، يُترجم حركات أميركية عقيمة، في محاولة للعودة إلى عبثية إحياء مُخطط صار من الماضي، يلتقي مع ما يجري في الشمال، ولا يقل بالعبثية عنه.
القراءةُ الأولية - المُتأنية لا المُتسرعة - لكل ما تلهث خلفه واشنطن، وبالاستماتة التي تُبديها لتحصيل ما يمكن تحصيله وترتيب ما يمكن ترتيبه، تُظهر من جانب عُمق المأزق الذي هي فيه، وتَكشف من جانب آخر الارتباط القوي لحركتها السريعة والمُلحة بالحركة الجارية على كامل الإقليم، إذ لا تبدو سخونة المشهد في مياه الخليج بعيدة، بل هي في الصلب والمركز.
للمرة الألف - ربما - سنُوصِّف لأميركا حالتها، والنتائج التي لن يكون لها قدرة مجرد مُحاكاتها، لا تحقيقها في سورية وعلى امتداد خط المقاومة، ومحورها: لا حياة لمُخطط أميركي هنا، لن يَتكسَّر فقط، بل سيُنتج في تَكسُّره حالة أخرى هي على الضِّد مما تُخطط له، وبتَحطُّمه سيَنتُج عنه مُعادلات لم تتوقعها!.
للمرة الألف - ربما - سنُؤكد لأميركا أنها إذا لم تُدرك الآن مع من تَشتبك، وبأيّ وحل تَعلَق، فإنها لن تُدرك ولن تكتشف إلا بعد فوات الأوان الذي لن تَجد بعده من يُساعدها على حفظ ماء الوجه، وهو ما ينبغي لمجلس العقلاء فيها أن يبحث عنه بهذه الأثناء، إن كان فيها ثمة عُقلاء!.
قَبلَ ترامب أم لم يقبل، اِلتوى ذراع اللص أردوغان أم انكسر، خاب الانفصاليون أم بالغوا بالخيانة، فإن شرقَ سورية، شمالها وجنوبها، لن يكون إلا سورياً .. هذا الدرس سيُستكمل لمن لم يفهم بعد.
مشكلة واشنطن والغرب، مشكلة المُلتحقين بهما، مشكلة الكيان الصهيوني والمُطبعين معه، هي مُشكلة واحدة، أحدُ أوجهها يتلخص بحالة إنكار الهزيمة التي يستغرقون بوهم تغيير نتائجها، بينما تتكشف أوجهها الأخرى بما لا نرغب الحديث فيه، ذلك أنه إذا كان العدو لم يَرتدع، ولا يَتحسَّب للطرف الآخر، وللقادم، فَسَنَدَعَهُ، ليَتلقى المُفاجآت.