تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حوار.. غــادة اليوسـف.. نبـض يصـرخ بآلام الطفولـة

ثقافة
الاربعاء 24-7-2019
سلوى الديب

وأرشق سهمَ الأنينْ

يجوسُ بأطباقِ أفقٍ‏

تعالى على وجع الفاقدينْ..‏

وأغسلُ وجهَ السماءِ بدمعِ الشجونْ..‏

لعلّ شعاعاً على ظلمة القلب منك يبين.. كلماتها سمفونية خالدة، تترك خلفها شذا عطر أنها الأديبة المتنوعة المواهب غادة اليوسف من قصيدة (دليلي) من ديوان (وحدكِ الآن) فكان لنا معها هذا الحوار الفريد:‏

• نلمس عمقاً بنتاجك الأدبي فلقد نطقتِ وجع الانسان ومعاناته, هل هي صرخة ناتجة عن تجارب شخصية؟ أم أنها تجارب عاصرتها فخرجت إبداعاً؟‏

•• كلاهما معاً.. وأرى أن الكاتب الذي لا يتحسس تجارب ومعاناة وأفراح وأحزان الآخرين لا يكون مخلصاً لمعاناته ذاتها.. فهو وقبل كل شيء إنسان..‏

وجزء من نسيج الكون..فكيف له أن يكون جديراً بقيمة حقيقية إن لم يكن كذلك؟ معاناة الفرد تجلٍّ لمعاناة البشر في كل زمان ومكان والمعيار هنا درجة حساسيته الإنسانية.‏

• لم تبحري في مجال الرواية التي شكّلت هاجساً لديك.. فما السبب؟‏

•• منذ سنوات.. والرواية التي أريد تشغلني.. كتبت فيها صفحات كثيرة.. ومزقتها.. وربما أجّلتها.. وربما هربت منها.. ترمقني قصاصاتها بعتب ولوم.. وأرمقها بكثير من الرهبة والتهيب.. يمكنني القول: إنه لدي الآن أكثر من ثلاث روايات تنتظر جمع أشلائها.. كما هو الواقع.. وباختصار.. لا أريد لروايتي أن تكون أقل قيمة من قصصي ومن كل ما خطّ قلمي.. فإن لم تكن كذلك فلماذا أكتبها؟! هل لأضيف ركاما ورقياً لهذا الغثاء الذي يخنق الساحة الروائية؟؟هنالك رواية أنجزت بالكامل.. ولكنني ولدى كل مراجعة لها أرى نقصها.. أطمح لخلق شخصية روائية ترسخ في وجدان الناس كما رسخت شخصية حنين في قصة المنديل وتحولت إلى أغنية.. وكما رسخت شخصية راشدة صالح في قصة ليلة الكرز المر.. هنالك شخصيات روائية تحيا في وجدان القارئ وتبقى خالدة بل وتتحول أحيانا إلى نمط يقلّد كشخصية زوربا وآنّا كارنينا.. وطموحي هذا يضعني أمام تحدٍّ مرعب.. وأتساءل في كثير من الحيرة عن التجرّؤ على الرواية من قبل كثير من الكتاب والكاتبات.. مع أن من حق الجميع أن يكتب ما يشاء.‏

• طرقت العديد من القضايا في قصصك مما أعطاها تنوعاً, فنرى الحنين والفقد والألم والضعف.. هل هي عصارة روحك أم خلاصة تجربتك في مجال القضاء؟ ولأي درجة سبحت في عالم الخيال؟‏

•• إن هذا التنوع هو صورة الحياة..قضايا الحياة هي ذاتها دائما منذ أن تألم الإنسان بعد فقدانه فردوسه ولايزال.. إنه نهب الألم.. والظلم وفقدان الحرية والعدالة.. نهب للخوف.. وكل ما كتبت في كل أعمالي بتنوع أجناسه صدر عن هذه المعاناة..معاناة خاصة لا يمكنني إخفاءها أبداً فأنا سليلة الوجع الشخصي والعام.. وهويتي:‏

أنا لا أحد.. أو ربما لا اسم لي..‏

أنا من سلالة نجمة الفقدان.. هوناً.. على أنشودتي‏

أمشي.. يكلّلُ جبهتي شوكي المرصّعُ بالنزيف..‏

ولؤلؤ الخسران..‏

تجربتي في القضاء (محكمة الحداث الجانحين) أغنت مخزون الألم لدي على شريحة عمرية هي ضحية لخلل مريع في المجتمع.. وكم كنت أتساءل وأنا على قوس المحكمة وعيون الأطفال ترمقني: «من الذي عليه أن يحاكم من؟ ويحضرني قول العظيم أنطون سعادة» إن من يربح معركة الأحداث يربح معركة الوطن» فوضع هؤلاء مقياس لمنسوب جدارة كل المؤسسات.‏

أمّا عن الخيال فيما كتبت فلم يكن أكثر من تهويمات الروح المضطربة الهائمة في سماواتها وجحيمها بحثاً عن خلاص.. أنا بنت الواقع..بكل ما فيه.. ويستثنى من هذا الشعر.. فالشعر ينطلق من الواقع إلى عوالمه العليا على أجنحة الخيال.. في ترحّل الروح بحثا عن حميمها المفقود.‏

• هل كنت الناطق للمرأة من خلال أعمالك الإبداعية؟ فهل كان للحب حضور بأعمالك بأسلوب رومانسي وأنت الأنثى المشبعة بالإحساس؟‏

•• لقد نطقت للإنسان امرأة كانت أم رجلاً.. وأنا قبل كل شيء إنسان.وان حضرت المرأة في أعمالي بهذا الزخم فذلك لأنني امرأة أؤمن بأن لا تستقيم المجتمعات مادامت هذه المرأة ترزح تحت أثقال تاريخ من العنصرية تؤبّدها الشرائع والقوانين والأعراف التي لاتزال قاصرة عن اعتبارها إنسانا جديرا بكامل جدارته.. والصراع الحقيقي في جوهره ليس بين المرأة والرجل بل هو الصراع مع الاستبداد الذي يرزح تحت نيره كلاهما وإن تبدى صارخاً في حال المرأة, حنين ينجز المجتمع البشري برجاله ونسائه حريتهما الإنسانية يصلان معاً إلى حالة راقية وإنسانية وعادلة تشمل الجميع, الرجل المسلوب الوعي والحرية الخانع تحت سيطرة تاريخ من عقائد تمسخ إنسانيته مهما تظهر حضوره بالقوة لا يقدر أن يكون رجلاً حراً وكذلك المرأة, وأرى أن العلاقة مع المرأة هي مقياس ودرجة سمو أو انحطاط.‏

أمّا عن الحب؟؟ وهل يمكن أن يكون القلب سليما بلا حب؟! بكل معانيه.. العاجز عن الحب عاجز عن الحياة.. الحب حوار وتعلق العناصر كلها.. علاقة السماء بالأرض.. وعلاقة الطير والشجر والزهر والمواسم.. وعلاقة الأم والأبناء والأصدقاء والرفاق وعلاقة الجندي والتراب.. وعلاقة المرأة والرجل.. ولكن.. ثمّة أرواح تبقى لائبة على نصفها المفقود.. وطوبى لمن تلتقيه لذلك فإن الحنين هو اعمق عاطفة لأنها تجسّد لوبان الروح على ما يصعب الوصول إليه.‏

• يؤخذ عليك أنك خلال كتاباتك الشعرية الرائعة أنك تلونت بروح نقدية تصلح للمقالة مما أضعف روحها الشعرية في بعض الأماكن.. فما تقولين في هذا الأمر؟؟‏

•• من حق المتلقي أن يعبر عن قراءته كما يرى.. ولكن؟؟منذ متى لم يكن الشاعر أو الأديب عموماً إلاّ ناقداً لواقع لا يرضي إنسانية الانسان؟؟ كيف لشاعر أن يستمتع بأريج الياسمين على شرفة مرشوشة بنثار الدم البشري؟ !دون أن يعلن صرخته ؟؟ناقداً ومتألماً في آن؟ أكره الغموض..خاصة وأني أتوجه إلى الجميع بلا استثناء في كل خطاب لي.‏

وكم هي مضحكة أعمال مغرقة في الإبهام والغموض, أراها غير ذات قيمة لأنها عاجزة عن الوصول إلى روح المتلقي بانسياب ونداوة الماء، وأرى معظم الأعمال المبتلاة بالغموض المستغلق ماهي إلا ستاراً يتلطى خلفه الكتاب ليوهموا القارئ أنهم أعلى سوية من قدرته المعرفية..وهم في الحقيقة يخفون قصورهم..‏

• نلاحظ تنوعاً ملحوظاً في مسيرتك الإبداعية,ما الذي جذبك إلى النقد فغصت في بحوره؟؟‏

•• إنني وبلا قصد أكتب ذاتي.. لذا أراني قد كتبت في كل الأجناس الأدبية.. وكثيراً ما كانت حتى مقالاتي المشبعة بالقضايا السياسية تنحو منحى القصة.. والقصيدة.. وهذا أسلوب نابع من روحي لم أفكر يوما لماذا كتبت هذا النص أو ذاك في هذا المنحى أو الجنس.. أما عن النقد ؟؟فهذا ما لا أدّعيه أبداً.. فللنقد مناهجه ومدارسه وأدواته.. وما أنا إلا بقارئة أداتي الوحيدة هي ذائقتي..والفرق كبير بين القراءة الذاتية التذوقية وبين القراءة النقدية.. أصدرت كتاباً بعنوان (ما رآه القلب) 2011 وهو قراءات في نصوص معاصرة لنخبة من أعلام الشعر والأدب عموماً كيوسف سامي اليوسف وعبد الكريم الناعم وصقر عليشي.. وغيرهم.. وكتبت في مقدمته كدريئة أن هذه القراءات ليست نقدا بل رؤية قلب.ولا يسعني هنا إلا التعجب ممن يتجرؤون على مساحة النقد ويصدرون الكتب (النقدية) وكحال ماحل بما يسمى بـ(قصيدة) النثر..لم يبق باحث أو باحثة عن شهرة إلا وتجرّأ عليها.. وربما أن كيس غوغل الكريم فيه الكثير لخبراء وعتاة اللصوص واللصات, وللأسف فإن هذا بات مكشوفاً للجميع..‏

• تأثير الأزمة على غادة اليوسف.. وعلى إبداعاتها ؟وهل تناولتها في أعمالك؟‏

•• (الأزمة) وبالأصح الحرب (الكارثية).. كيف لا تؤثر عليّ؟؟وأنا في حمأة هذه النار؟؟ كيف لا؟؟وأنا بنت هذه الأرض اليوم.. وأنا التي يشغلني جناح عصفور انكسر وقد هوى من عشه؟؟ كيف لا يشغلني وطن يتهدد وجوده.. وحرب تستهدف إنسانه وروح هذا الانسان بالمعنى المادي والروحي؟؟ لقد أرخت هذه الحرب الظالمة بكل أثقالها عليّ.. وحمّلتني مسؤولية باهظة.. سواء في كتابة القصة أو الشعر أو الرواية.. توقفت تقريبا عن كتابة القصة وذلك لأن الحكاية السورية تجاوزت حتى قدرة الأسطورة في ملحميتها.. نزفت الشعر خلال سني هذه الحرب.. وأما الرواية التي لم تنجز بعد عليها أن تنهض بهذا العبء.. وإلا فلن تكون..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية