حين يكتب الأديب المبدع نصاً أدبياً، لابد ان نجد فيه صور المجتمع والثقافة والتاريخ والانتماء، بعيداً عن ذاتية المبدع بمفهومها العتيق، كحلقة مغلقة لاينجح النص في تجاوزها.
الإبداع الأدبي الحقيقي لابد ان يضع الانسان (القارىء) في قمة اهتمامه، فهو أولا وأخيراً لا يكتب الى مجهول، ولا يخاطب ذاته النرجسية، وبالتالي يعطي القارىء خلطاً من الثرثرة فقط، لا تضيف للأدب شيئاً، وتفتقد لأبسط الشروط الجمالية في النص.. وهذه هي للأسف الظاهرة السائدة في الأدب العربي في إسرائيل اليوم، هذا الأدب الذي كان قبل عقدين في مصافي أرقى الآداب, ليس فقط بارتباطه بقضايا شعبه- انما- وهذا أساسي جداً، بجماليته أيضاً وبقدراته التعبيرية الفنية... وساهم في رفع شأن الثقافة العربية، وليس بالصدفة ان يتحول سفير هذه الثقافة (محمود درويش) الى أحد الأسماء البارزة على الخارطة الثقافية العربية والدولية، والذي قال عنه المفكر اللبناني الكبير المرحوم حسين مروة في كلمة ألقاها في موسكو (1970) بانه «أبرز شاعر عربي». أقول بوضوح اننا في مرحلة «انهيار ثقافي» وفقدان المنطلقات الأساسية للإبداع الأدبي الجيد وغياب الحلم الإنساني الإجتماعي وراء النص.
ويضاعف هذا الواقع ظواهر عدة. وكنت قد لاحظت في كتاباتي المختلفة عن المسألة الثقافية، وجود ظواهر سلبية متعددة تساهم في تكريس الإنهيار الثقافي ومسخ الإبداع الأدبي، وإبعاده عن ارتباطه بمجتمعه وإنسانه وتاريخه وثقافته أيضا. وهذا يذكرني بالصرخة التي أطلقها محمود درويش عندما كان محرراً لمجلة «الجديد» الحيفاوية (1968) على أثر الانبهار غير المتوقع للعالم العربي بأدبنا الفلسطيني داخل الحصار الاسرائيلي بقوله: «أنقذونا من هذا الحب القاسي»... وللأسف هذه الصرخة العبقرية لم تساعد.. الانبهار بأدبنا تجاوز حدود المنطق الأدبي البسيط.. وها نحن نلملم جراح الانبهار ونفشل في العودة الى توازننا الثقافي، وتسود ثقافتنا حالة مرضية توهم كل من يصيغ جملة أدبية بانه محمود درويش آخر.. أو أكثر !! لا بد للأدب حتى يصبح مشروعاً ثقافياً مؤثراً ان يكون انعكاساً فنياً للوعي والممارسة، وليس مجرد «تنسيق» كلمات وأفكار عقيمة، انما القدرة على خلق اتجاهات وترك ترسبات. وبصدق وصف «غرامشي» الأدب بأنه: «الأرض التي يتحرك عليها الانسان، يكتسب وعيه, ويحدد موقعه ويمارس نضاله».
وفي حالتنا أضيفُ ان الأدب لا بد من ان يكون ايضا الأداة التي نمارس عبرها،، تعميق ترابطنا الاجتماعي ومواجهة الاضطهاد القومي والتمييز ومواجهة هيمنة الخطاب العنصري وأدواته اللاثقافية، ومواجهة الخطاب الطائفي الغيبي الذي بدأ يرفع رأسه بحرية دون ان يتصدى له أحد مما يفرض ويسرِّع تعميق تفككنا الثقافي والاجتماعي، والى المزيد من»ثقافة اللاجدوى» والتخبط الغيبي وغياب الفكر القادر على التصدي وطرح البديل العقلاني.
Yomn.abbas@gmail.com