تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مانديـــلا ابــــن بلـــدي..كمـا تـــــــــراه نادريــــن غورديمــــر

فضاءات ثقافية
الثلاثاء17-12-2013
أن تعاصر نيلسون مانديلا، وتعيش في مسقط رأسه هو نعمة وميزة ننعم بها نحن الجنوب- أفريقيين. لقد خبرت أيضاً ميزة أن أكون واحدة من أصدقائه. التقيت به عام 1964، خلال محاكمة ريفونيا، عندما كان يحاكم بتهمة القيام بالأعمال التخريبية ضد الحكومة. كنت حاضرة في المحكمة بينما يتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

في 1979، كتبت رواية «ابنة بيرجر»، عن حياة عائلة من أطفال الثوار، حياة محكومة بالمعتقد السياسي للوالدين وبالتهديد اليومي بالسجن. لا أعرف كيف تم تهريب الكتاب، الذي منع في جنوب أفريقيا عندما نشر، إلى مانديلا في سجن جزيرة روبن. ولكنه، وهو أكثر قارئ متطلب يمكنني الحلم به، كتب لي خطاباً يتضمن قبولاً متفهماً وعميقاً للكتاب. حتى عندما لم تكن هناك أخبار علنية عنه، ولا معرفة بما يفكر فيه وما يخططه لمواصلة النضال من أجل إنهاء الأبارتهايد، فقد كانت لدينا عباراته، الخطب العامة التي كان يلقيها عندما كان معنا بجسده. بالنسبة لروح كروحه، فـ»الجدران لا تصنع سجناً»، لم يكن ممكناً لروحه أن تكون داخل حجر الأبارتهايد. أمكننا أن نشعر بذكائه السياسي. تمكنت من البقاء على اتصال بمانديلا خلال هذا الوقت، بفضل المميز جورج بيزوس، وهو الأكثر من محام، والذي بقي قريباً منه رغم بعد جزيرة روبن.‏

في 1985، عرض رئيس الأبارتهايد، ب. و. بوثا، على مانديلا حريته لو نبذ دون شرط جميع أعمال العنف كوسيلة سياسية. ردُّ مانديلا قرأته ابنته زيندزي، في استاد في سويتو: «دعوه ينبذ العنف. دعوه يقول أنه سوف يفكك الأبارتهايد. دعوه لا يمنع تنظيم الناس، المؤتمر الأفريقي الدولي.... لن أعطي أي تعهد بينما أنا وأنتم، أيها الشعب، غير أحرار».‏

«لوينني مانديلا»، زوجته وقتها، وهي المرأة التي لم يستطع إخفاء حبه الشغوف لها، لم يسمح لها إلا بزيارات مشددة، حتى تم نقله من جزيرة روبن، عام 1982، إلى سجن تم بناؤه لسجناء القانون العام على أرض كيب تاون. أخيراً، في 1990، شوهد نيلسون مانديلا حراً، يده بيد زوجته.‏

في 1990، رأي الرئيس ف. و. دي كليرك، وهو واقعي بشكل مختلف، أن الأبارتهايد غير مجد. رفع الحظر عن المؤتمر الأفريقي الدولي وحلفائه وأتباعه، وأطلق سراح من تبقى من المسجونين السياسيين. لم أكن مصدقة بعض الشيء عندما أخبرني جورج بيزوس أن مانديلا، الذي أطلق سراحه مؤخراً، يريد رؤيتي. أعتقد أنني فكرت، بغرور الكاتب، أن الرجل العظيم يريد الحديث حول «ابنة بيرجر».‏

كنا وحدنا في جوهانسبرغ، بعدها بأيام قليلة، لم يكن كلامه متعلقاً بكتابي وإنما باكتشافه، في اليوم الأول من حريته، أن وينني مانديلا لديها عشيقاً. هذا الانهيار لم يكن معلناً حتى الطلاق، بعدها بستة أعوام. لم أرو هذا من قبل، لأنني أؤمن أن عمق هذه التضحية، القوة التي كشف عنها بلا خوف في الطريقة التي عاشها، لم يكمن فقط في ضميره السياسي. لقد كان الموضوع هو طريقة الحياة من أجل حرية الآخرين.‏

مانديلا: ليس شخصية محفورة في الحجر ولكنه رجل طويل، من لحم ودم، لم تجعله معاناته حاقداً وإنما أكثر إنسانية، حتى تجاه من خلقوا السجن الذي كانه الأبارتهايد. لقد شوهد وهو يتحدث بطبيعية مع هؤلاء الذين منعوا ملايين من الجنوب= أفريقيين السود من القيام بأدوار المواطنة في بلدهم.‏

عندما تم الإعلان عن أن مانديلا سوف يستلم جائزة نوبل للسلام، عام 1993، تضاءلت سعادة بعضنا بشكل خفيف مع قرار لجنة نوبل إعطاء الجائزة لـ ف. و. دي كليرك أيضاً. سوف يكون هناك حفل واحد في أوسلو للحائزين الاثنين بها. تمت دعوتي، مع جورج بيزوس، لكي نكون ضمن حاشية مانديلا. سافرنا إلى النرويج معه ومع قادة المؤتمر الأفريقي الدولي، وحظينا بالتجربة التي لا تنسى لأن نراه يحظى بالمجد.‏

ما كان ناقصاً في العروض العامة عن مانديلا هو ذكاؤه، سرعة بديهته في الظروف المفاجئة. في 1998، تزوج جراسا ماشيل، وهي محاربة في الحرب المنتصرة ضد الحكم الاستعماري البرتغالي في موزمبيق وأرملة سامورا ماشيل، رئيس موزمبيق، والذي قتل في تحطم طائرة تم الزعم بأنه قد دبر على يد مؤيدي الأبارتهايد الجنوب أفريقيين. كانت ماشيل إذن امرأة تزوجت من رئيسين. في نهاية حفل الزفاف، بعد فقرة «أوافق»، والتهاني الوحشية، أعلنت أنها سوف تحتفظ باسم العائلة ماشيل. سئل مانديلا عن شعوره إزاء ذلك فأجاب: «أنا سعيد بأنها لم تحب أن آخذ اسمها».‏

عمق تفهمه الإنساني يظهر بطرق كثيرة. كنت مع مانديلا في بيته مرة بينما مرت ابنته زيندزي، الطفلة الأصغر بين طفلتين أنجبهما من وينني. تعانق الأب والابنة. سألها ماذا تريد أن تأكل؟ أجابت بندم بأنه ليس بمقدورها البقاء، فأمها في السيارة تنتظرها. أدار مانديلا رأسه وكتفيه. أكد: «اذهبي وأتي بها هنا!» بعد عدة دقائق، دخلت وينني الغرفة، ضيفةً عزيزة باسمة على رجل عاشت وإياه حباً لم ينضب عبر السجون، والفراق بسبب زواج آخر، والنضال من أجل تحرر جنوب أفريقيا.‏

 نادرين غورديمر كاتبة جنوب أفريقيا التي حصلت على نوبل في الأدب عام 1991، والمقال عن مجلة «نيويوركر».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية