هذا الانتصار السوري كشف أبعاد المؤامرة بما يسمى بالربيع العربي، في ليبيا وتونس وحكم الإخوان المقبور في مصر، فارتد هؤلاء القتلة على أعقابهم مدحورين وهم من الإسلام براء، يعني الإسلام السياسي بكل أجنحته، إخضاع ما هو زمني ودنيوي لسلطة النص المقدس.
لكن المشكلة ثبات النص مع تغيير الواقع وهي مشكلة أصداؤها موجودة منذ زمن طويل في المرحلة الإمبريالية أخذ الإسلام السياسي هيئة المدافع عن، أولاً: الهوية المهددة من الغرب الأوروبي، وثانياً: الوعد بتحقيق يوتوبيا المجتمع الأهلي، ثم المدني الذي عصرته النخب الحاكمة في البلدان الإسلامية والعربية خاصةً (لكنه مع الإرهاب) تحول إلى شكل احتجاجي على توحيد العالم العربي بالمعنى الأمريكي، الطائرات المدنية التي تحوّلت إلى أسلحة فتاكة تساوي رمزياً، طير أبابيل، لكنه حول المسلمين إلى هدف تتخطفهم الأمم، أنها بداية النهاية للإسلام السياسي(فالاستعراض) الذي قام به الخوارج الجدد نسي أن (الحرب بدعة )، وطبقاً للقانون القائل بأن الحرب تجعل العدو شبيهاً بعدوه، كشف اليمين الحاكم في أمريكا هذا التشابه مقابل الإرهاب بالإرهاب، أما قيم الغرب وحكومة العالم التي حلم بها (أيما نويل كانط) والحرية وحرمة جسم الإنسان .....الخ ، فقد أصبحت شعارات الضعفاء، أتوقع نهاية الإسلام التكفيري والجهادي بعد هذه الحرب الشعواء على الأمة العربية وعلى سورية بصورة خاصة والتي روجها ودبرها الأمريكان والصهاينة، التي أعمل فيها الأمريكيون في رقاب رجالة السيوف والأقلام والكاميرات وبنوك المعلومات والجواسيس، أما الإسلام غير سياسي فنقصد به تلك الدعوات التي تنطلق ضعيفة بضرورة تغريب الإسلام عن بيئته، ليلائم المسلمين الأوربيين والأمريكيين الذين صاروا مواطنين في تلك البلدان بحيث لا يتعارض المعتقد الإيماني مع جنسية المسلم الغربية أو سلم القيم في الثقافة الكونية التي عبر صدفة تاريخية انطلقت من أوروبا الحديثة ثم تجاوزتها لتصبح مطروحة على أجندة العالم كله قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقبول بالأمر وغيره، ويمكن سريعاً القول بأن موقف الثقافة العربية الإسلامية هو مراوغة الحداثة، تلكأت هذه الثقافة طويلاً، وراوغت هذه الحداثة، بحث مفكروها عن نظائر في ماضيها لمنتجات الحداثة، أدعو أن العيب في المسلمين لا في الإسلام، ففصلوا بين النص وصيرورته في الواقع، أختص أنفسهم بالروح واتهموا الآخر بالمادة، حددوا سياجاً للعقل لا ينبغي أن يتخطاه، وأبدع المفكرون والكتاب والفقهاء والأكاديميين في تسويغ الكلام والالتفاف على المشكلات وفصلوا بين (العلم المضنون به على غير أهله) وبين (القول المباح)، وارتضوا الدور التقليدي، دور الشيخ أو داعي الدعاة أو حارس الايدولوجيا أو مروجيها لا اتقاء لوطأة الجماعة فقط بل تسويغ لولي الأمر أو ولي النعم أو ...، راوغت الثقافة الحداثة، ففاتها عصر البخار والثورة الصناعية، وما تزال تراوغ لكي يفوتها عصر ما بعد الحداثة، وليس هناك اختيار أمام هذه الثقافة سوى مفارقة مركزيتها الموهومة والدخول إلى هذا المجهول التي راوغته طويلاً لا بسبب ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية بل ما يحدث في الداخل هذا الذي يصعب وصفه بدقة .
فلا زالت الدول العربية الحديثة تواجه صيغة الدول العربية الحديثة موقفاً بالغ الحرج، فهي دول حديثة بل هي معادية للحداثة، لم تعبر عصر الثورة الصناعية ، لم تنتقل إلى عصر الدولة الديمقراطية، لم تقض على الأمية ، لم تنصف المختلفين مع أغلبيتها في الدين والسلالة والنوى لم تؤسس مجتمعاً علمياً .... لم ......لم .....الخ، من هذا كله هددت صيغتها بعد أحداث أيلول ومع احتلال العراق وليبيا وأفغانستان، إحداها قامت على شراكة مع أمريكا فسمح لها بممارسة التبشير الإسلامي ودعم الإسلام السياسي حين كان الغرب يصارع السوفييت، لكنها لم تنتبه إلى تغيير الظروف، لتكف عن بث غرضها الديني المتشدد، وبعض الدول كلها رفعت شعار تحرير فلسطين لتبرر اعتصار مجتمعاتها، و تسويغ عنفها، ولابد لنا أن نعرف توقيت صعود اليمين القومي والديني في الولايات المتحدة الأمريكية مع صعوده في إسرائيل مع استعراض الإسلام السياسي الإرهابي، مع تفجر الأزمات في الدول العربية الحديثة لكي ينتج وضعاً شائكاً، أتاح لأمريكا الدخول في عصر الإمبراطورية، لكنها إمبراطورية غير معلنة الحدود، تعيش أزمة (القوة الزائدة)، يلوح في الأفق إمكانية لمقاومة من نوع جديد، تدافع عن حقوق الإنسان، ترفض الحرب على الإرهاب بالإرهاب، تدافع عن البيئة الإنسانية وتحاول الوقوف ضد الوحشية وضد تنميط العالم، منذ انهيار الاتحاد السوفيتي سابقاً حاولت أمريكا أن تحقق أهدافها الغربية في يوغسلافيا والعراق وأفغانستان وليبيا وتقسيم السودان لكنها كانت توجه رسائل واضحة لمن يعدون أنفسهم لسلب دورها أو اقتسام السلطة الدولية معها، رسائل موجهة إلى السلفية الروسية، وأوروبا الغربية والصين، هذه القوى تدرك أن الصراع مع أمريكا قادم لكنها لن تعلن عن هذا الصراع، ألمح بدايات الإعلان في الموقف الأوروبي، الذي يجد صياغته في نظرية ما بعد التاريخ في مواجهة استخدام القوى، الدعوى إلى التفاوض في مواجهة حكم الإعدام والدعوى إلى إلغائه في مواجهة الإفراط الأمريكي في حق التدخل، الدعوى إلى وضع ضوابط صارمة وبعد تفويض من الأمم المتحدة .
وأخيراً وبعد مرور أعوام على احتلال العراق وأفغانستان وليبيا والفوضى العارمة في الأمة العربية والمؤامرة الكبرى على سورية العربية ، هل أن المجتمع الأمريكي القوي قادر على الإفاقة من ثمل القوة ؟ وهل ستكون نهاية الإسلام السياسي والوهابي الذي جاء به مشروع الشرق الأوسط الكبير لغزو العالم العربي قد دخل المجهول وتلاشى لفشله شعبياً ودينياً ؟...
نعم .....إنه عصر الحداثة لشعوب العالم المحبة للحرية والسلام .....
أكاديمي وكاتب عراقي