يأتي الخوف ليسرق قوتنا ومحبتنا وفطنتنا وبصفته قوة روحية، فنحن نحتاج إلى أن نواجهه بطريقة روحية تناسب القوة التي يكتسبها الخوف للسيطرة علينا، مع الدرجة التي نخضع فيها لخداعه ، يسيطر علينا بالتحايل وخداعنا بأكاذيبه، المخاوف قد تصبح حقيقة إذا آمنا بها، وحتى المخاوف المبنية على أساسات واهية، قد تغير مسار حياتنا وتؤثر على مصائرنا.
يثير الخوف شكوكنا حول مقدرتنا على تبني إرادة الحياة، إلا أننا نستطيع أن نتمسك بالإرادة بواسطة تجديد أذهاننا، والإيمان بما نملك من قدرة على التحدي.
إننا نتعرض منذ سنوات إلى هجوم شرس من عدو لم يدخر طريقة ولا أسلوباً إلا استخدمه لإخافتنا والدفع بنا للاستسلام والهزيمة.
وفي مواجهته صار لزاماً علينا أن نكون هجوميين في حماية أذهاننا وتفكيرنا وحياتنا برمتها،، فالتفكير الذي يخضع للخوف ينتج موتاً، أما التفكير الذي خضع للإرادة والروح فينتج حياة وسلاماً.. والخوف يبقينا في حالة من القلق والاضطراب ويحرمنا من اختبار السلام والأمان.. نختبر السلام عندما نختار الإرادة والحياة، بدلاً من أكاذيب الخوف وتحديه هو معركة ينقلنا الفوز فيها إلى الحياة التي تستحق أن تعاش مهما واجهتنا فيها الصعاب.
محاربة الخوف بالإرادة، تسقط أقنعة المهاجمين وتعريهم كسقوط ورقة التوت.
ولأننا ملكنا الإرادة، فقد هزمنا الخوف، وهزمنا القطعان التي اجتاحت أرضنا الطاهرة، رغم الألم والدم والدموع ورغم الحصار والدمار والإرهاب.
هزمنا الخوف، وصمدت سورية، لتثبت مرة أخرى أنها بداية التاريخ، والعز والشموخ لا يليق إلا بها.
صمدت رغم الخيانات التي تقوض كل صمود ورغم الفساد الذي يهزم القوة، ورغم تجار الدم والأزمات الذين أخرجوا وحوشهم المسعورة لتشارك في تخويفنا ورعبنا، وحتى موتنا.
صمدنا.. نحن سورية، التي تعرف كيف تهزم الخوف، لأن روح السلام في جنباتها والسلام إرادة تتحدى الموت فكيف الخوف..؟!
نحن سورية التي تقاوم الأزمات ، وتعرف كيف تتحايل على الحياة وشحها وغلائها، وحتى موتها.
نحن سورية البسطاء الذين يتحدث باسمهم الأغراب والأعراب، والمتنفعون والمزايدون والخونة.
نحن سورية المخطوفة والمخطوفون أبناؤنا والأسرى تحت العذاب.
نحن سورية المهجرين الذين يتحملون العوز والحاجة ولا يغادرون أرض الطهر والياسمين، الجياع والمرضى ، المنتظرين على عتبة المجهول .. يوقنون أن المستقبل سيكون أفضل ، رغم الرعب والجوع والحرمان.
نحن سورية ، الخوف لا يسلبنا الإرادة ، بل نحاربه بالعزيمة نخرج كل يوم لأعمالنا نتوجس الموت ، لكننا لا نخافه.
نحن سورية، جندي تلفحه الشمس، وينخر في عظامه البرد ، لكنه صامد لا يعرف الخوف،
نحن سورية، أطفال يستقبلون نوازل الشر التي يطلقها من يدعون الثورة والحرية ويقتلون باسمها بسمات الأطفال ومستقبلهم.
هنا سورية، التي من تضاريسها تخرج آلاف الحكايات لوطن يعرف أبناؤها المخلصون معنى التضحيات والصبر والاحتمال، يعرفون أن الخوف إرادة العدو والحياة والحب والنصر إرادتنا.
نحن سورية التي تتحدى المآسي والتدمير الذي يهبط فينا كل يوم درجة للأسفل ونرتفع بالعزيمة درجات ودرجات.
كفى لعباً بحياتنا ومصائرنا، لأولئك الذين بنوا أوهام السلطة على حسابنا، وباعونا بالمزاد في الخارج لمن يدفع أكثر، وأطلقوا أحلامهم ونرجسيتهم، ولو كان الثمن سورية وتدميرها.
كفى لعباً بحياتنا، لأولئك الذين حاصرونا في الداخل وتاجروا بقوت أطفالنا ودفترهم وحقيبة مدرستهم تاجروا بملح طعامنا ليزداد رصيدهم من مال ، وينقص من أخلاق ووجدان وضمير، لأنهم نهبوا حياتنا كالجراد الذي لا يترك لا أخضر ولا يابساً.
كفى.. لأننا نحن سورية، لا يتوهمن أحد أن نبيع الوطن بمال الدنيا، أو نغادره، لا نتغير ولا نتذمر، لأن حبه يملأ القلب، باقون في أرضه ندفع عنه الأذى ولو تأذينا نصد عنه الأكاذيب الضالة والمضللة.
على نور حبه نسير، ويضيء لنا الطريق، فلا نقع ولا ينكسر ظهرنا.
نحن سورية، باقون هنا حتى لو تمادوا بوهمهم، وحاصرتنا الخيبات، لن نقوم -رغم وطأة الأيام الصعبة التي عشناها- باقتطاع هذه السنوات من عمرنا، ولن ننفيها خلف وعينا وإدراكنا، ولن نهرب من وجوه المدعين المكتسية بالابتسامات الصفراء والنظرات الحاقدة.
نحن سورية.. البسطاء التي سحقتهم الحياة، لكن لم تنل منهم الأكاذيب التي كبرت حولنا حتى توهم البعض أنها حقيقة، لن ندفن في جنبات الزمن وأدراج الذكريات ما مر معنا من أسى وحزن وموت مفجع، وندعي أننا لم نعشه ، وأن ما اختفى من حياتنا مازال موجوداً.
سنبقى نتذكر كل لحظات هذه الأزمة ، لأنها كشفت الوجوه والأقنعة، وأخرجت ما في النفوس المريضة من حقد وكراهية، وأفصحت عن مكنونات السوري الصادق المؤمن بكل ذرة تراب من هذا الوطن، والموقن أبداً أن حب سورية، والانتماء لترابها لا يسقطان بالتقادم، رغم الموت.