بداية لابد أن نقرأ تصريحات الإدارة الأمريكية بشأن هذه الجولة في اطار التحرك الدبلوماسي للخارجية الأمريكية لمجموعة ملفات المنطقة وللعالم وهي الملفات التي لاتزال عالقة والمتمثلة في ملف الصراع العربي الصهيوني وملف البرنامج النووي الايراني والعمل على تقويض العلاقات العربية الايرانية اضافة إلى ملف أفغانستان والباكستان في مواجهتهما المزعومة مع القاعدة وصولاً إلى ملف السودان وأزماته الفرعية في دارفور وجنوب السودان والصراع في القرن الافريقي وكذلك الملف الكوري.
إذاً تلك هي أجندة التحرك الدبلوماسي الأمريكي لإدارة أوباما الجديدة في الشرقين الأوسط والأدنى وإفريقيا. وبالطبع فإن أزمة الصراع العربي الصهيوني في هذه الأجندة ليس لها أي مكانة مميزة عن غيرها من تلك الملفات سوى مايحيط بتأمين الحماية اللازمة للأمن الاسرائيلي الذي لايعلو عليه أي شيء آخر في الإستراتيجية الأميركية.
ولعل الشيء المتفق عليه في نظرتنا إلى ماخلصت إليه إدارة أوباما الجديدة حتى الآن حيال تلك الملفات لاتعدو كونها لاتزال في بداية الطريق الصعب وهي تسعى كما يبدو إلى تحقيق خطة الردع الدبلوماسي الوقائي المطلوبة لجهة تعزيز أجندة السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة أولاً وأخيراً، وليس كما يظن البعض أو من الذين يروجون لذلك بأن ترمي تلك التحركات الدبلوماسية الأميركية الجديدة إلى تحقيق الاستقرار المطلوب في مناطق النزاع والتوتر في الشرقين الأوسط والأدنى وإفريقيا أيضاً.
أو كما يظن البعض الآخر لتحقيق نوع ما من إعادة التوازن المفقود في العلاقات الدولية التي مازالت أكثر اضطراباً وتوتراً.
إن السؤال الذي مازال يطرح نفسه اليوم وغداً هو هل إن إدارة أوباما عاقدة العزم حقيقة على انتهاج سياسة علاجية لسياسة بوش؟
وهل هي عاقدة العزم على علاج التشوهات والأزمات التي خلفتها تلك السياسة البوشية؟ أم هي محاولة للالتفات عليها والتحايل على الأطراف المعنية بتلك الأزمات بتقديم الذرائع والمبررات مرة ثانية لهم كي يقبلوا بواقع أزماتهم كما هي عليه اليوم وكأن الأمر أشبه باستراحة المحارب؟
وبنظرة سريعة على جولة مبعوثي إدارة أوباما للمنطقة وللأزمات الدولية في الشرقين الأوسط والأدنى نستطيع أن نحكم مسبقاً على هدف ونتائج هذه التحركات.
فاليهودي الأمريكي شابيرو هو المسؤول عن أجندة سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي ودنيس روس اليهودي أيضاً الذي كان يتولى مهام المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط يقوم حالياً بدور ومهام العراب للسياسة الأمريكية الجديدة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. ولهذا فهو أي روس يقوم باستخدام الملف النووي الايراني نقطة ارتكاز لاعادة توجيه ملفات السياسة الخارجية الأمريكية الأخرى لخدمة الحشد الدولي ضد ايران وهو أي روس يقوم بدور الحلقة التي تربط صناع القرار الأمريكي في مراكزها الخمسة وهي مجلس الأمن القومي الأمريكي ووزارة الخارجية واللوبي الاسرائيلي ولجنة العلاقات الخارجية التابعة للكونغرس.
ولعلنا من وقائع هذه الصورة نستطيع أن نحكم مسبقاً على أرض الواقع على حقائق جولة المبعوث ميتشل الثانية للمنطقة والتي تتلخص بتفادي حدوث أي خلاف بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو ليعطي روس الأولوية للسياسة الأمريكية الخارجية للملف النووي الايراني باعتباره حسب وجهة نظر الفريق الأمريكي الجديد في إدارة الرئيس أوباما بأنه الملف الذي يمثل البؤرة التي تتفرغ عنها الأزمات الأخرى في الشرق الأوسط ومن ضمنها بالطبع أزمة الصراع العربي الصهيوني. كما أن جهود دنيس روس مازالت تدور حول إحداث انقلاب مفهومي لتحويل مسار قاطرة السياسة الأمريكية الخارجية لاستهداف ايران طالما أن استخدامها لن يترتب عليه الاصطدام مع حكومة نتنياهو بل على العكس تماماً يحقق الالتقاء بل والالتحام معها ضد ايران وهو ماتطمح إليه «اسرائيل» في ظل حكومتها اليمينية الارهابية الجديدة.
وعلى هذا نجد أن تصريحات الفريق الأساسي في إدارة الخارجية الأمريكية وعلى رأسهم دنيس روس تتمحور حول ضرورة اعطاء الأولوية للقضاء على الخطر الايراني النووي المزعوم وهو مايشكل الأكثر أهمية لاسرائيل نتنياهو ولغيره من حكام اسرائيل. وهذا مانشهده اليوم من فصول مسرحية هنا وهناك للنيل بكل من يتحالف مع ايران باعتبارها العدو الرئيسي وأن حزب الله وحماس هما العدو الثانوي المرتبطان معها وهو سيناريو بدأت له عملية تمهيد المسرح لتنفيذه من خلال عدة مشاهد تجري تحديداً على الأرض العربية في مصر والسودان ولبنان وإثارة الضجة الاعلامية حولها لنقل صورتها الخاطئة للرأي العام الأمريكي والأوروبي والعربي أيضاً لتعبئتهم من جديد ضد ايران ومن يصنفونهم بحلفائها في المنطقة.
وهكذا تتضح الصورة حيال مساحة الدائرة التي يدور في فلكها المبعوث ميتشل للمنطقة وقد سبق وصول ميتشل لاسرائيل أن اجتمع المطبخ الوزاري الاسرائيلي المصغر للالتفاف على أي ضوء قد يحمله ميتشل معه يزعج اسرائيل ولاسيما على خلفية ماصدر عن الرئيس أوباما في خطابه في العاصمة التركية قبل اسبوعين الذي قال فيه: اسمحوا لي أن أكون واضحاً إن الولايات المتحدة تؤيد بشكل واضح هدف اقامة دولتين (اسرائيل)وفلسطين للتعايش بسلام جنباً إلى جنب وفق مااتفق عليه الجانبان في خريطة الطريق وفي مؤتمر أنابوليس وهو ماسيسعى لتحقيقه.
إذاً كما هو مقرر وكما هو واضح كانت جولة ميتشل مقطعة الأوصال ولاسيما من خلال الصدى الذي واجهته من قبل اسرائيل التي وضعت حكومة نتنياهو نصب عينيها الالتفاف على مبادئ أنابوليس والرد على الرئيسس أوباما مباشرة بأن اسرائيل ليست هي التي تتلقى الأوامر وبالتالي وضعت كما هو متوقع كل العثرات والعقبات في طريق مهمة ميتشل كي تبقى تدور في حلقة مفرغة كعادتها مع جميع المبعوثين السابقين.
ولهذا فإن اسرائيل بحكومتها الجديدة ستستمر بالتسويف إلى حين انعقاد اللقاء المرتقب بين الرئيس أوباما ونتيناهو في أيار المقبل للاعلان عما اتفق عليه ميتشل مع الفريق الاسرائيلي /بخطة الطريق -2/ كي تبدأ معها مرحلة جديدة من المماطلة الاسرائيلية وتهربها المعهود من الالتزام باستحقاقات السلام العادل الذي يبدو أنه ذهب إلى غير رجعة.