تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دوربان2 .. لاإدانة صريحة لإسرائيل وسياساتها

شؤون سياسية
الخميس 23-4-2009
د. محمد البطل

قضايا كثيرة مثيرة، وربما محزنة، أكدها مؤتمر دوربان2، منذ بدء التحضيرات لعقده في جنيف، مروراً بمقاطعته من قبل عدد من الدول وخاصة أميركا، إلى انسحاب ديبلوماسي لأوروبا من قاعة المؤتمر لحظة انتقاد اسرائيل،

وانتهاء بالبيان الختامي « التوافقي» وأظهرت هذه المحطات بمجموعها حقيقة كيفية تعاطي بعض الدول مع المؤتمر وشعاره الرئيسي ( مكافحة العنصرية) ، وتالياً وصول الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين إلى الحقائق التاريخية والوقائع الدامغة بغرض تدميرها انسجاماً مع سياسات ورؤى عدد من الدول المقاطعة أو المشاغبة.‏

فقد واجهت التحضيرات لمؤتمر دوربان، تشدداً أميركياً- إسرائيلياً حول طبيعة بيانه الختامي، في محاولة منهما لتجاوز تجربة التحضيرات التي أدت أخيراً إلى تضمين بيان دوربان «1»الختامي عام2001 العديد من الفقرات التي تدين اسرائيل بوصفها دولة عنصرية. وكان واضحاً خلال الأعمال التحضيرية للمؤتمر ، أن هناك دولاًغربية وأوربية تدعم بأشكال وصيغ مختلفة هذا التشدد الأميركي- الاسرائيلي الهادف إلى تفريغ بيان المؤتمر من محتواه.‏

وربما انطلاقاً من الحرص على مشاركة أوسع، أو حشر الموقف الأميركي- الاسرائيلي، أو عدم إحراج دول أخرى تقف في الوسط، كذلك عدم الرغبة في التصادم مع الادارة الأميركية الجديدة، وأسباب أخرى وطنية لدى كل دولة ليست أقل أهمية، عدل البيان الختامي أكثر من مرة. وفي المحصلة ورغم هذه « التعديلات» التي تحتاج إلى بحث منفصل، والتي تمس برأينا شعار المؤتمر أساساً، أعلنت أميركا وإسرائيل ومعهما( أوروبياً: ألمانيا ، إيطاليا، بولندا، هولندا، وغربياً: كندا - أوستراليا، نيوزلندا) مقاطعتهم هذا المؤتمر. في تكرار مخجل لسيناريو التعاطي الأميركي مع محكمة الجنايات الدولية، عندما عدلت الكثير من فقرات أنظمتها ولوائحها، خلال فترة التحضير للإعلان عن إنشائها، ثم ورغم هذه التعديلات لم توقع على ورقة إقامة هذه المحكمة، أو الإعلان الرسمي عن الالتزام بقراراتها. أي أن مهمات هذه المحكمة تنطبق على الآخرين وتستثني الأميركيين.‏

وتزداد الأمور غرابة، وخاصة في مواقف «وفود» الدول الأوروبية الـ(3)التي شاركت بمستوى منخفض- ربما لإظهار عدم« الاستجابة» للضغط الأميركي- الاسرائيلي ، أو قناعاتهم بعدم جدوى المقاطعة ،أو إظهار استقلالية قرارهم- والتي تجلت في انسحاب هذه الوفود فور انتقاد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد اسرائيل، ورغم أنه لم يذكرها بالاسم، وتكرر هذا الانسحاب ( انسحبت 6 دول أوروبية) عندما وصف المندوب الليبي اسرائيل بالعنصرية.‏

كما تزداد الأمور غرابة أيضاً عند التدقيق في مستوى مشاركة غالبية الدول العربية والإسلامية. وتالياً موافقتها على البيان الختامي ، الذي صدر في اليوم الثاني للمؤتمر!!‏

أي قبل اختتام أعماله، وهو بيان لم يأت على ذكر إسرائيل بوصفها دولة عنصرية، أو دولة تمارس سياسات عنصرية، وتحديد هذه السياسات، والوقائع في هذا السياق كثيرة، منذ إقامة اسرائيل بقرار دولي، إلى عدوان غزة، مروراً بإقامة المستوطنات وتهويد المناطق المحتلة وإقامة الجدار العازل...!الخ. وعلى الرغم من تضمين البيان الختامي لمؤتمر دوربان2، في بنده الاول تأكيداً على بيان دوربان1 ( الذي أدان إسرائيل بوصفها دولة عنصرية)، فإنه لم يتضمن إدانة صريحة لإسرائيل وسياساتها.‏

قد نتفهم أحياناً محاولة تعديل، أو تخفيف لهجة مشاريع قرارات يراد صدورها عن مجلس الأمن الدولي، بسبب من الفيتو الأميركي، وربما غيره أيضاً، ( رغم أن هذه المسألة، وهذا التعاطي منذ النكبة الفلسطينية وعدوان عام1967 ، قيد النقاش ما بين تخطئة هذا الأسلوب، إلى ضرورة إظهار حقيقة مواقف الدول الرافضة وتالياً تعريتها دولياً، وانتهاء بالإعلان عن عدم جدوى الاستمرار في هذا التعامل) إلا أننا لا نستطيع تفهم الموافقة على تعديلات مقدمة من دول، ستقاطع لاحقاً ، وبعد إقرار هذه التعديلات ، مؤتمر دوربان2 . كما أننا لانستطيع مجرد تفهم أن يوافق المعنيون قبل غيرهم بمحاربة العنصرية والمتضررين منها أولاً، وفي المقدمة العرب والفلسطينيون على تحويل مؤتمر لا تمتلك فيه أي دولة حق الفيتو وأقيم تحت رعايةالأمم المتحدة ومظلتها، إلى مجلس أمن دولي جديد، يفترض بالغالبية الساحقة من أعضائه، أخذ ملاحظات قلة قليلة، بغض النظر عن وزنها وتأثيرها خارج المؤتمر ،بالحسبان وصولاً إلى تفريغ المؤتمر عملياً من محتواه، وأسباب قيامه، والأهداف المرجوة منه، بوصفه منبراً عالمياً للدول وللمنظمات غير الحكومية، تتلخص مهمته الرئيسية في التمسك عملياً بشعاره الرئيسي ( مكافحة العنصرية)، وتالياً كيفية التعامل مع الدول العنصرية ومواجهة سياساتها.‏

بقي أن نقول: إن كل محطات مؤتمر دوربان2، من التحضير له مداولاته وبيانه الختامي تحتاج فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، إضافة إلى دول عدم الانحياز والدول الصديقة أيضاً، تحتاج إلى مراجعة جدية حول كيفية تعاطيهم مع تجربة هذا المؤتمر وبيانه الختامي الذي لم يأت على ذكر إسرائيل العنصرية وإدراج المحرقة.‏

باحث في الشؤون الدولية‏

batl-m@scs-net .org.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية